[16] الإمام البوصيري (608- 694)
[16]
الإمام البوصيري([1])
(608- 694)
الإمام الرباني، والعارف الصمداني، الأستاذ الفاضل، والملاذُ الكامل، شمس الملة وبرهان الأمة، شيخ المحققين، وملاذ أهل التمكين، ذو المعارف الربانية، والمواهب الصمدانية أبو عبد الله شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الدَّلاصي الصُّنهاجي الشاذلي البُوصيري قدّس سره.
ولد رضى الله عنه بدَلاص أول شهر شوال سنة ثمانٍ وست مئة، وكان أبواه قدما من المغرب فاستوطنا هذه البلدة، فنشأ رضى الله عنه في حِجر أبيه حتى ترعرع ومال إلى العلم، فحفظَ القرآن وبعض المتون، وقدمَ الأزهر، وحضر على مشايخ العصر حتى كملت معالمه فأجازوه فأتى ودرس وصارت له هيبةٌ عظيمة، وبرع في النظم حتى فاق أهلَ عصره، وكانت له همَّةٌ عالية.
وكان في بدايته من مقربات السلاطين، وله عندهم الحظوة التامّة مقبولًا فيما بينهم، وكان يمدحهم بالشعر الرقيق، ويهجو أعداءهم، وانقطع على التصوف، ومال إليه، فسلك على يد المربي سيدي أبي العباس المرسي قدّس سره، وأخذ عنه علمَ الحقائق والأسرار، حتى لوحظَ بالأنوار والأسرار، وبدت عليه إشارات الولاية، وألوية الهداية، فعظمت هيبته، وأجلته العيون والأنظار، وشدَّت إليه الرِّحالُ من جميع الأمصار، وعمل القصائد البديعة، والموشحات([2]) الغريبة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفي في فضله بردته الميمية المشهورة، وهي قصيدةٌ لم يأتِ بمثلها أحدٌ، لا من قبله ولا من بعده، وهي من الأسرار، اعتنتْ بشأنها مشايخُ الطرق، وذكروا لها فضائل وخواص وأسرار، وقد ذكرنا ما لها من الخواص والأسرار في كتابٍ مستقلٍّ، سميناه «تحفة الراغبين ونزهة الطالبين في خواص قصيدة الأستاذ شرف الدين» فمن أراده فليطلبه حيث يوجد.
بلغ رضى الله عنه مقامَ الغوثية الكبرى، ودام له الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام.
وكان إذا مشى رضى الله عنه في الأزقة تندلقُ الناسُ عليه، يقبّلون يديه حتى الصغار، وكانت تشم رائحة جسده روائح طيبة.
وكان رضى الله عنه يرتدي الملابس الحسناء، منوّر الشيبة، بسّام الثغر، طلق الوجه، جميل اللقاء، متواضعًا زاهدًا، ذا عفَّة ووقار.
أخذ عنه جماعةٌ من أفاضل العصر.
توفى رضي الله عنه وأرضاه بإسكندرية سنة أربع وتسعين وست مئة.
وله مقامٌ يُزار، ومسجد تُقام فيه شعائر أمة المختار، وتتساقط على ضريحه أنوار وأسرار تبدو للزائرين، والمتوسِّلُ به إلى الله لا شكَّ من الناجين، اللهم، نتوسَّلُ إليك أن تعطفَ علينا قلبَ مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمين.
([1]) محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري، شرف الدين أبو عبد الله: شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، نسبة إلى بوصير (من أعمال بني سويف بمصر) أمه منها، وأصله من المغرب من قلعة حماد من قبيل يعرفون ببني حبنون. ومولده في بهشيم من أعمال البهنساوية سنة 608هـ، ووفاته بالإسكندرية سنة 696هـ ومن أشهر شعره البردة، والهمزية، وعارض (بانت سعاد). [«الأعلام» (6/139)].
[17] سيدي عبد الرحيم القنائي (...- 592)