[17] سيدي عبد الرحيم القنائي (...- 592)
[17]
سيدي عبد الرحيم القنائي([1])
(...- 592)
شيخ مشايخ الإسلام، وإمامُ العارفين الأعلام، مولانا الشريف سيدي عبد الرحيم بن أحمد بن حَجُّون بن محمد بن حمزة بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين الترغي المولد، السَّبتي الأصل، المغربي الصوفي.
ولد رضى الله عنه في ترغة غمارة من قبيلة بني عموان، وهي قبيلة السيد أبي الحسن الشاذلي قدّس الله سره.
وصل سيدي عبد الرحيم من المغرب، وأقام بمكّة سبع سنين، ثم قدم قِنا من عمل قوص، وأقام بها سنين كثيرة إلى حين وفاته.
وكان قدّس الله سره قد أخذَ طريقَ رشده من الأستاذ سيدي أبي يَعزَّى المغربي المدفون بالمغرب، وكان شيخُه قدّس الله سره من أجلاّء المشايخ، وقد ذكره غيرُ واحد.
وكانت أهلُ المغرب يَستسقون عنده الغيثَ فيُسقون، وله المكانةُ العالية في جلِّ الأقطار المغربية إلى وقتنا هذا كما هو مشاهد، وكان سيدي عبد الرحيم من أكابر أصحابه، وكانت إقامته بالصعيد رحمة لأهله، اغترفوا من بحر علمه وفضله، وانتفعوا ببركاته، وأشرقت أنوارُ قلوبهم لما دخلوا في خلواته.
اتفق أهلُ زمانه على أنَّه القطبُ المشار إليه والمعوَّلُ في الطريق عليه، لم يختلف فيه اثنان ولا جرى فيه قولان، ولو لم يكن من أصحابه إلا الأستاذ الإمام أبو الحسن علي بن حُميد الصبَّاغ لكفاه من سائر الأمم، «ولئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»([2]). فإن سرَّ الشيخ رحمه الله ظهر فيه حتى نطقَ بالمعارف بملء فيه، وأبدى من سرِّه ما كان يخفيه.
وكرامات سيدي عبد الرحيم مُستغنيةٌ عن التعريف، تكثر عن أن يسعها تأليف، أو يقوم بها تصنيف، فاكتفيت منها بدليل القليل.
وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ |
* | إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دليل |
وقد تخرَّجَ على يديه جماعةٌ من أعيان الصالحين بصالح أنفاسه، وله مقالاتُ في التوحيد منقولة عنه، ورسائلُ في علوم القوم تُلقِّيت عنه.
وكان قدّس الله سرَّه من الزهَّاد المذكورين، والعُبَّاد المشهورين، مذهبه مذهبُ إمامِ دار الهجرة، وكتابُه «المدونة»، وله كرامات لا تحصر.
قال الأستاذ كمال الدين بن عبد الظاهر رحمه الله: زرت جبَّانة قِنا([3])، وصلّيت عند سيدي الأستاذ عبد الرحيم وإذا بيدٍ خرجت من قبره وصافحتني، وسمعتُ صوتًا يقول بأنين: لا تعصِ الله طرفة عينٍ، فإني في عليين، وأنا أقول: يا حسرتاه على ما فرَّطت في جنب الله.
وأهلُ بلاده متَّفقون على تجربةِ الدعاء عند قبره يوم الأربعاء، يمشي الإنسان حافيًا، مكشوفَ الرأس وقتَ الظهر، ويدعو بهذا الدعاء بعد صلاة ركعتين بما تيسَّر من القرآن، ويقول: اللهم، إنّي أتوسَّلُ إليك بجاه نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبأبينا آدم، وأمنا حواء، وما بينهما من الأنبياء والمُرسلين وبعبدك عبد الرحيم اقضِ حاجتي. ويذكر حاجته. ويقولون من جرَّبوا هذا الدعاء: إنه ما حصلتْ للإنسان ضائقةٌ وفعلَ ذلك إلا فرّج الله عنه.
وقد روى هذا الدعاء الشيخ الكبير أبو عبد الله القرشي قدّس سره، وكان يقول: من فعل ذلك ودعا ولم تقضَ حاجتُه فليسبَّ القرشي.
أقول: وهذا الدُّعاء عندي من المجرَّبات، فقد جرَّبتُهُ مرارًا وتكرارًا، فوجدته صحيحًا، ولا ينبغي على الإنسان أن يدعو به على ظالمٍ؛ لئلا يهلك في ساعته، ومن عفا وأصلح فأجره على الله.
ومن الأمور الموجبة لتأثير هذا الدعاء القبولُ والتسليم، والاعتقاد مع حسن النية الخالصة عملًا بما وردَ في الحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». سيما وقد صحَّ أنَّه إذا وَقعتِ العنايةُ، وثبتت الولايةُ، وصحَّتِ الرواية، ونازع منازعٌ بعد ذلك في أمر أجازه العقلُ، ولم يمنعه الشرع، كان النزاع غوايةً، فنسأل الله التوفيق والهداية، ولله درُّ القائل حيث يقول:
فطفْ بحماهم واسعَ بينَ خيامِهم |
* | ولا تستمعْ ما قالَ زيدٌ ولا عَمْرُو |
إذا طفتَ بين الحيِّ تُحمى وتتقى |
* | بأسيافِ عزمٍ دونها البيضُ والسُّمرُ |
ومن يعترضْ يومًا عليهم فإنَّه |
* | يعودُ ومِنْ نيلِ المُنى كفُّه صُفْرُ |
توفي رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا ببركاته في شهر صفر يوم الجمعة التاسع منه بعد صلاة الصبح وكانت وفاته بقنا، وقبره بجبّانتها يُزار، ولا يكادُ يخلو من زائرٍ قاصدٍ، أو عابر، تقصدُه العباد من أقصى البلاد، وتأتي إليه الخلائق من كل فجٍّ وواد([4])، وتزدحم الناس على ضريحه مستمطرين الرحمة من عنده، زرته -ولله الحمد والمنة- ورأيتُ على هذه الجبانة نورًا من فيض مدده المنور، اللهم انفَعنا وإخواننا المسلمين ببركاته ونفحاته. آمين.
([1]) عبد الرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد القنائي: صالح من كبار النساك. مغربي أقام بمكة سبع سنين، مولده في إحدى قرى سبتة واستقر في قنا (بصعيد مصر الأعلى) وقبره فيها، توفي سنة 592هـ. له مقالات في التوحيد وأحوال غريبة. [«الأعلام» (3/343)].
[18] سيدي أبو الحجاج الأقصري (...- 642)