[36] مولانا أبو المواهب الشاذلي(...- بعد 850)
[36]
مولانا أبو المواهب الشاذلي([1])
(...- بعد 850)
شيخ الفريقين، ومنبع السرين، القطب الذاتي، صاحب الإشارات والبشارات، مولانا أبو حامد سيدنا أبو عبد الله محمد أبو المواهب التونسي الشاذلي الوفائي قدس سره العالي.
كان رحمه الله تعالى من الظرفاء الأجلاء الأخيار، والعلماء الراسخين الأبرار، أُعطي رحمه الله ناطقة مولانا علي أبي الوفاء، وعمل الموشحات الربانية، وألف الكتب الفائقة اللدنية، ومن محاسن تآليفه، وفضائل تصانيفه كتاب «القانون» في علوم الطائفة المسمى بـ «قوانين حكم الإشراق في قواعد الصوفية على الإطلاق»، وهو كتاب بديع لم يؤلف مثله، يشهد لصاحبه بالذوق الكامل، وله شرح على «الحكم العطائية»، أحلَّ غامضات أسرارها الخفية، وله دواوين شعر منظوم على لسان القوم.
وكان رحمه الله تعالى مقيمًا بالقرب من الجامع الأزهر، وكان له خلوةٌ في سطحه موضع المنارة التي عملها السلطان الغوري.
وكان يغلب عليه سكرُ الحال، فينزل يتمشى، ويتمايل في الجامع الأزهر.
وكان شعره وكلامه يُنشد في الموالد والاجتماعات والمساجد على رءوس العلماء والصالحين، فيتمايلون طربًا من حلاوته.
وكان رحمه الله كثير المرائي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله: ألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة التصوف.
وقال رحمه الله: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: قل عند النوم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم خمسًا، بسم الله الرحمن الرحيم خمسًا، ثم قل: اللهم، بحق محمد أرني وجه محمد حالًا ومآلًا، فإذا قلتها عند النوم فإني آتي إليك، ولا أتخلف عنك أصلاً، ثم قال: وما أحسنها من رقية، ومن معنى لمن آمن به.
أقول: وهذه الرقية من أعظم الدعوات لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأخفها؛ إذ لا تحتاج إلى استغراق في الوقت، وقد جربها أناسٌ كثيرون وجربتها، وأخبرت بها بعض إخواننا في الله، قوى الله عددهم، وزاد مددهم، فاستعملوها بهذه الكيفية، فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد زدت عليها الوضوء، وكون التلاوة تكون ليلة الجمعة؛ لما ورد في ذلك من الفضائل، فرأيته صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في العشرة الأخيرة، والله الذي لا إله إلا هو رأيته يُخجلُ البدرَ في حسنه، لابسًا ثوبًا من حرير، مُستلقيًا على ظهره، مسترسلَ الشعر، براق الثنايا، له نورٌ عظيم يكاد يخطَفُ بالأبصار، وكنتُ مشتغلًا بقراءة وردي، فناداني صلى الله عليه وسلم: ادنُ مني. فدنوت منه صلى الله عليه وسلم، فبشَّرني ببشارات حسنة. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ [الحديد: 21]، اللهم متعنا وإخواننا بالنظر إلى وجهك ووجهِه الكريم، وأدم علينا مُشاهدته يا رحمن يا رحيم.
قال سيدي أبو المواهب رضى الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أنت تشفع لمئة ألف. قلت له: بم استوجبت ذلك يا رسول الله؟ قال: بإعطائك لي ثوابَ الصلاة عليَّ.
وكان رضى الله عنه يقول: استعجلتُ مرة في صلاتي عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأُكمل وردي، وكان ألفًا، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أما علمت أنَّ العجلة من الشيطان، ثم قال: قل: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، بتمهُّلٍ وترتيلٍ.
وكان يقول رضى الله عنه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: إن شيخَك أبا سعيد الصفوري يصلي عليَّ الصلاة التامة، ويكثرُ منها، فقل له: إذا ختم الصلاة أن يحمد الله عزَّ وجلَّ.
والصلاة التامة هذه هي صلاةُ التَّشهُّدِ الأخير، ولها فضائلُ، وخواص، وأسرار، وقد وردت بها أحاديث كثيرةٌ متواترةٌ، وقد ذكرنا خواصَّها، وما يتعلق بفضائلها في كتابنا «تحفة الصلوات» المسمى بـ «معارج الوصول إلى نفحات الرسول»، فإن أردت فراجعه تر ما يسرك إن شاء الله.
تُوفي سيدي أبو المواهب رضى الله عنه بعد الثمان مئة وخمسين، ودُفن بمدافن السادات الشاذلية بالقرافة الكبرى، بمقام أُعدَّ له، وعليه قبَّةٌ كبيرة، وله مولد يعمل كل عام، تحضره إخوان الشاذلية، ويحيون لياليه بالذكر والتلاوة وقراءة القرآن. اللهم أمدَّنا بمدده آمين.
([1]) محمد أبو المواهب التونسي الوفائي الشاذلي، أبو عبد الله كان له شعر في التصوف، وكان مقيمًا بالقرب من الجامع الأزهر، توفي بعد الثمانمئة والخمسين من الهجرة، وفي «إيضاح المكنون» توفي سنة 881هـ. [«هدية العارفين» (6/209)].
[37] سيدي أبو الحسن الشاذلي اليمني (...- 821)