[43] القطب سيدي محمد السمان (1130- 1189)
[43]
القطب سيدي محمد السمان([1])
(1130- 1189)
القطب الأكبر، والغوث الأشهر، عالم المدينة بأسرها، وليُّ الله العارف سيدي أبو عبد الله بن عبد الكريم السمان المدني الخلوتي الشاذلي.
كان قدس الله سره من الأولياء الراسخين في الحقائق، انتهت إليه تربية المريدين، فتخرج من تحت يده أولياء، وعلماء لا يحصون.
ولد قدس الله سره بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضلُ الصلاة والسلام، سنة ثلاثين ومئة وألف، فأشرق في الوجود نور هدايته، ونشأ قدس الله سره ميالًا على الطاعة، وحضور الجمعة والجماعة، وملازمًا على الصوم، مشتغلًا بمطالعة كتب السادات، حتى أشرقت عليه الأنوار، وامتلأ من العلوم والأسرار، وحضر مشايخ العلماء، وتلقى علم الحقيقة عن والده.
وحضر إلى مصر لتلقي العلوم، فتغذى بمعارف الفنون، وعقد حلقات الذكر بالمشهد الحسيني، وحضرت مجالسه أفاضل العلماء، فاشتهر أمره وظهر، وعمَّ ذكره وانتشر، وتم له الكمال، ورسم في ديوان الرجال، وأشرقت شموسه في سائر الأكوان، وانتفعت بعلومه وأسراره عموم أهل الإسلام، من أقصى البلاد إلى خراسان.
وله قدس الله سره مصنفات عديدة.
كان قدس الله سره صاحب بسط وجمال، ونور وعرفان وكمال، وكلامه قدس الله سره مشهود.
توفي قدس الله سره بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، سنة تسع وثمانين ومئة وألف، ودُفن بالبقيع.
وكان قدس الله سره إذا غلب عليه الجمال تكلم بلسان الحال، فمن ذلك قوله:
قمْ نحو حاني سُحيرًا إنْ ترمْ مَدَدي |
* | واشربْ مُريدي بكأسي خمرةَ الصَّمَد |
واسكرْ وهمْ في الورى تِيها فما أحَدٌ |
* | إلاّ ولي شاهدٌ بالفضلِ والرَّشَدِ([2]) |
أنا الإمامُ أنا القطبُ الشَّهيرُ أنا |
* | غوثُ الأنامِ أنا السمَّانُ ذو المَدَدِ |
أنا محمَّدٌ المعمورُ فاسعَ إذًا |
* | ما شئتُ لي وصلةٌ من حضرة الأمَدِ |
الوقتُ وقتي وما في الكونِ أجمعُهُ |
* | في قبضتي وهو من جُندي ومن حَشَدي |
ومن قوله في عينيته:
شربتُ كؤوسَ العشقِ صِرفًا وفضلتي |
* | بها هامَ من أسقيتُهُ فهو خالعُ |
طهرتُ وشمسي في البريَّةِ ساطعٌ |
* | وكلّي لأسرار الوجودِ مَطالعُ |
أنا كنتُ مكنوزًا لسرٍّ علمتُهُ |
* | وعن فهمِه إدراكُ غيري قاطعُ |
ويوم (ألستُ) الكلُّ جاؤوا لدعوتي |
* | وهاموا بحبِّي والدُّموعُ هوامعُ([3]) |
ومن قوله قدس الله سره في كتابه «النفحات الإلهية»: صحبةُ أهل الطريق هي التخلق بأخلاق أولئك الفريق.
وكان يقول رضى الله عنه: الفقراء هم الملوك، فينبغي للمريد إذا صحبهم أن يعانق الأدب معهم.
وكلامه قدس الله سره مقبول، وله نفس عال في علم الحقائق، اللهم انفعنا بهم، وسامحنا، واغفر لنا ذنوبنا. آمين.
([1]) محمد بن عبد الكريم المدني الشافعي، الشهير بالسمان، صوفي، فاضل، من أهل المدينة ولد بها سنة 1130هـ، ووفاته أيضًا بها سنة 1189 هـ له كتب منها: «النفحة القدسية»، و «الاستغاثة» وغير ذلك. [«الأعلام» (6/216)].
[44] مولانا عبد العزيز الدباغ (1095- 1131)