طباعة

ما قيمة الرؤيا في الإسلام ؟

الثلاثاء, 13 ديسمبر 2016     كتبه 

يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق

الشريعة الإسلامية منهج ينظم جميع شئون الحياة المدركة في عالم الحس، فترى حكم الشرع يتطرق إلى جميع مجالات الحياة من الصناعة، والتجارة، والطب، والحياة الاجتماعية، ولم يقتصر على العبادات أو العقائد كما يظن البعض.

بل إن الشريعة الإسلامية اهتمت ببعد آخر في حياة الإنسان، وهو النوم وما يحدث قبله من أمور ندب إليها الشرع كالوضوء قبله، وذكر الله، والنوم على الشق الأيمن، كما اهتمت بما يحدث في النوم من مشاهدات، وخيالات، ومبشرات، ومحزنات، وهو ما يسمى بالرؤيا التي يراها النائم. فالشريعة الإسلامية لم تترك شيئًا ولو بسيطًا، ولو يراه بعضهم غير مهم إلا وفصلت فيه القول تفصيلاً قال تعالى : ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ([1]).

ولقد اهتم العلماء ببيان معنى النوم الذي هو الحالة التي يرى فيها الإنسان رؤياه، فقال ابن أمير الحاج : «والنوم وهو فترة تعرض مع العقل توجب العجز عن إدراك المحسوسات، والأفعال الاختيارية، واستعمال العقل»([2]) وهو المراد بقوله : «عجز عن استعمال القدرة» أي عن الإدراكات، أي : الإحساسات الظاهرة؛ إذ الحواس لا تسكن في النوم وعن الحركات الإرادية، أي : الصادرة عن قصد واختيار، بخلاف الحركات الطبيعية، كالتنفس ونحوه. هذا فيما يختص بالنوم، أما ما يختص بالرؤيا يتضح فيما يلي :

الرؤيا في اللغة :

والرؤية بالهاء : خاصة بما يدرك بحاسة البصر، الرؤيا (بالألف) تستعمل فيما يدركه النائم غالبًا، وتجمع على (رؤى) بضم الراء والتنوين، وقد تستعمل قليلاً فيما يدرك بحاسة البصر.

الرؤيا في الشرع :

    قال المازري : إن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات، فكأنه جعلها علمًا على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران، وليس بطائر، فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علمًا على غيره، والجميع من خلق الله.

الرؤيا عند الصوفية :

ذكر بعض أكابر الصوفية : «إن الرؤيا من أحكام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال، وهو قد يتأثر من العقول السماوية، والنفوس الناطقة المدركة للمعاني الكلية والجزئية، فيظهر فيه صور مناسبة لتلك المعاني، وقد يتأثر من القوى الوهمية المدركة للمعاني الجزئية فقط، فيظهر فيه صور تناسبها، وهذا قد يكون بسبب سوء مزاج الدماغ، وقد يكون بسبب توجه النفس بالقوة الوهمية إلى إيجاد صورة من الصور، كمن يتخيل صورة محبوبه الغائب عنه تخيلاً قويًا، فتظهر صورته في خياله، فيشاهده، وهي أول مبادئ الوحي الإلهي».

وقال الإمام محيي الدين بن العربي : « اعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة، وما هي بأضغاث أحلام، وهي لا تكون إلا في حال النوم، قالت عائشة رضي الله عنها : « أول ما بدئ به رسول الله صلي الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»([3]). وإنما بدئ الوحي بالرؤيا دون الحس؛ لأن المعاني المعقولة أقرب إلى الخيال منها إلى الحس؛ لأن الحس طرف أدنى، والمعنى طرف أعلى، وألطف، والخيال بينهما، والوحي معنى، فكان بدء الوحي إنزال المعاني المجردة العقلية في القوالب الحسية المقيدة في حضرة الخيال في نوم كان أو يقظة، وهو من مدركات الحس في حضرة المحسوس، فإذا أراد المعنى أن ينزل إلى الحس فلابد أن يعبر على حضرة الخيال قبل وصوله إلى الحس، والخيال من حقيقته أن يصور كل ما حصل عند صورة المحسوس.

فإن كان ورود ذلك الوحي الإلهي في حال النوم سمي رؤيا، وإن كان في حال اليقظة سمي تخيلا، أي : خيل إليه؛ فلهذا بدئ الوحي بالخيال، ثم بعد ذلك انتقل الخيال إلى الملك من خارج، فكان يتمثل له الملك رجلاً، أو شخصًا من الأشخاص المدركة بالحس، فقد ينفرد هذا الشخص المراد بذلك الوحي بإدراك هذا الملك، وقد يدركه الحاضرون معه، فيلقي على سمعه حديث ربه، وهو الوحي، وتارة ينزل على قلبه صلي الله عليه وسلم فتأخذه البرحاء (أي شدة الكرب من ثقل الوحي) وهو المعبر عنه بالحال، فإن الطبع لا يناسبه؛ فلذلك يشتد عليه، وينحرف له مزاج الشخص إلى أن يؤدي ما أوحي به إليه ثم يسرى عنه فيخبر بما قيل له ».

فالرؤيا لا تختص بالأنبياء، بل هي لجميع المسلمين، وتتأكد مصداقيتها بتقارب الزمان كما بشر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال : إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله تعالى، ورؤيا من تحزين الشيطان، ورؤيا مما يحدث الرجل به نفسه، وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليصل ولا يحدث به الناس »([4]).

وفيما سبق بيان لأهمية الرؤيا وحقيقتها وعلاقتها بالشريعة الإسلامية، والله تعالى أعلى وأعلم.


([1]) الأنعام : 38.

([2]) التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، ج2 ص 177.

([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص 4، ومسلم في صحيحه، ج1 ص 140.

([4]) أخرجه مسلم في صحيحه، ج4 ص 1773.

عدد الزيارات 6139 مرة
قيم الموضوع
(1 تصويت)