طباعة

من هم الأشاعرة

من هم الأشاعرة، وهل هم أهل السنة وأصحاب العقيدة الصحيحة، أم هم فرقة مبتدعة وعقيدتهم فاسدة؟

الأشاعرة هم من ينتسبون إلى الإمام أبي الحسن الأشعري في مذهبه الاعتقادي، وقبل أن تعرف ما هو المذهب الأشعري تتعرف أولاً على أبن الحسن الأشعري.
الإمام أبو الحسن الأشعري وثناء العلماء على مذهبه :
هو الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر ابن صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري.
ولد سنة ستين ومائتين (٢٦٠هـ) بالبصرة، وقبل بل ولد سنة سبعين ومائتين (۲۷۰ هـ)، وفي تاريخ وفاته اختلاف منها أنه توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (۳۳۳هـ). وقبل : سنة أربع وعشرين وثلاثياتة (٣٢٤ هـ)، وقيل : سنة ثلاثين وثلاثمائة (٣٣٠هـ)، توفي رحمه الله - ببغداد و دفن بين الكرخ وباب البصرة.
كان أبو الحسن الأشعري سنيا من بيت سنة، ثم درس الاعتزالي على أبن على الجبائي وتبعه في الاعتزال، ثم تاب ورقى كرسيا في المسجد الجامع بالبصرة ي وم الجمعة، ونادي بأعلى صوته من عرفتي فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراء الأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج الفضائحهم ومعايبهم.
قال الفقيه أبو بكر الصيرفي كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السماسم.
قال عنه القاضي عياض المالكي: وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة، قال: تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وأتباعه، لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر المله فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك - يعني الأشاعرة- وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، إذا أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه، قال: فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب، بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه)(1)
وقال عنه التاج السبكي : (ذكر بيان أن طريقة الشيخ - يعني الأشعري - هي التي عليها المعتبرون من علماء الإسلام والمتميزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام والقائمون بنصرة دين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام"(2).
قال عنه الإسنوي: هو القائم بنصرة أهل السنة، القامع للمعتزلة وغيرهم من المبتدعة، بلسانه وقلمه، صاحب التصانيف الكثيرة، وشهرته تغني عن الإطالة بذكره "(3).
وقال القاضي ابن فرحون المالكي عنه: (كان مالكيا صنف الأهل السنة التصانيف وأقام الحجج على إثبات السنن وما نفاه أهل البدع ....، ثم قال: (فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المعتزلة ومن بعدهم من الملاحدة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم. وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه، وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه أثنى عليه فيها وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين)(4)

 

 

بيان عقيدة الأشاعرة في محل النزاع:
مذهب أهل السنة والجماعة - الأشاعرة والماتريدية - مذهب واضح في جميع أبواب علم التوحيد، ولكن أكثر ما ينكره من جهلوا حقيقة المذهب مسألة في الإيمان بالله، وهي تتعلق ب (الإضافات إلى الله) أو ما يسمى بـ( الصفات الخبرية).
ونشأ هذا بسبب أن بعض الألفاظ الواردة في القرآن، والتي أضافها الله له في كتابه العزيز يريد بعضهم أن يثبتها على الحقيقة اللغوية مما يلزم منه تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه، وأما أهل الحق فرأوا أن هذه الألفاظ لا نتعرض لمعناها لأنها من قبيل المتشابه.
فهم يرون أن هذه الإضافات أو الصفات الخبرية لم تثبت الله من جهة العقل، وإنما ثبتت بالخبر، فطريقهم فيها هو أن هذه الألفاظ المضافة لله، أو الصفات المخبر بها، يسلم بيها وتمر كما جاءت دون أن يعتقد حقيقة مدلولاتها اللغوية، فلا يقولون شبتها على المعني اللغوي الحقيقي لها؛ إذ ظاهر الألفاظ يدل على حقائق معانيها معروفة في اللغة، وهذه الحقائق اللغوية تتنافى مع تنزيه الباري سبحانه وتعالى وعلى هذا درج المتقدمون من أهل السنة والجماعة، والذين عرفوا فيها بعد بالأشاعرة.
ومتأخروهم سلكوا مسلك التأويل، حين رأوا أن الإثبات على طريقة المشبهة، أفضى عند بعضهم إلى القول بالجسمية ولوازمها، والمتقدمون من أهل السنة والمتأخرون كلهم متفقون على الإمرار وعدم التعرض للفظة بالنفي، وكذلك عدم اعتقاد حقيقتها اللغوية التي من شأنها تشبيه الرب سبحانه وتعالى بخلقه، ولكن زاد المتأخرون بأن هذه الألفاظ لا يجوز أن يفهم منها إلا ما يليق بالله، فكأنهم يقولون للخصم إذا صممت أن تتكلم عن معنى لهذا الصفات فقل أي معنى إلا المعنى الذي ينقص من قدرالرب ويشبهه بخلقه، فقالوا: أيها الخصم قل عين الله تعني رعايته وعنايته كما في قوله تعالى: {ولتصنع على عيني }(5)، ولكن إياك أن تقول إنها جارحة، ولذا يصلح أن نقول: إن مذهب السلف مذهب اعتقاد، ومذهب الخلف مذهب مناظرة.
فهذا مذهب أهل السنة في التعامل مع تلك الألفاظ التي إذا ما أثبتت على الحقيقة اللغوية تلتزم الشبيه قطعا؛ ولذا قال الحافظ العراقي في معرض الكلام عن (الوجه): (تكرر ذكر وجه الله تعالى في الكتاب والسنة وللناس في ذلك - كغيره من الصفات - مذهبان مشهوران؛ (أحدهما): إمرارها كما جاءت من غير كيف، فنؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها، مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء، وأن صفاته لا تشبه صفات المخلوقين. (وثانيهما): تأويلها على ما يليق بذاته الكريمة فالمراد بالوجه الموجود)(6)، ويقصد بالناس "أهل الحق".
وما أجمل ما قال ابن قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد عن تلك الألفاظ التي توهم التشبيه في حملها على الحقيقة اللغوية حيث قال: (وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى صلي الله عليه وسلم من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه، والتمثيل وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا، وترك التعرض المعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالي:{ والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا }(7)" وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: (فأما اللذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشـبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله) (8)، فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه وما يعلم تأويله إلا الله.
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلي الله عليه وسلم إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وإن الله يرى في القيامة، وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها وتصدق بها لا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئا منه، وتعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا ترد على رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(9) ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته الشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلي الله عليه وسلم وتثبيت القرآن.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.

وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله"(10) .
حقيقة انتساب الأشاعرة لأبي الحسن:
قد يقول بعضهم: إذا كان الأشاعرة على مذهب أهل السنة فلماذا لا يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة؟ ولماذا ينتسبون إلى أن الحسن الأشعري ولا ينتسبون الي الحسن الأشعري ولا ينتسبون في اعتقادهم إلى النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه ؟
وهذه الشبهة لا تطرأ على أهل العلم، وإنها نظراً على ضعاف العقول وعوام الناس لأن أهل العلم يعلمون أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فالذي يحكم أن هذا مذهب حق أو باطل الأدلة وليس المسمى.
ونقول: إن الأشاعرة انتسبوا إلى أبي الحسن الأشعري؛ لأنه عندما اختلف الناس وظهر المبتدعة ممن أساءوا الأدب مع الله ورسوله وزعموا أن هذه هي عقيدة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، فكان لازما على المعتقد بعد ظهور الفرق أن يحرر عقيدة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه كما فعل أبو الحسن الأشعري، فأبو الحسن الأشعري لم يبدع مذهبا في الاعتقاد، وإنها قرر مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك ما صرح به السبكي، حيث قال: (واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبدع رأياً ولم ينشى مذهب، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فالانتساب إليه إنها هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا).
ثم قال بعد ذلك ما يؤكد كلامه فقال: (قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة؛ إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف فزاد حجة وبيانا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنها جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما الفه في نصرته)(11) .
ويقول التاج السبكي: (وهؤلاء الحنفية، والشافعية والمالكية، وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله،... ثم يقول بعد ذلك (وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة)(12).
وقال العلامة ابن عابدين (قوله عن معتقدنا) أي عما نعتقد من غير المسائل الفرعية مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي كما بين في محله "(13).
ولذلك كله إذا قلنا إن عقيدة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة سيكون ذلك تقريرا للواقع، كما قيل عن النبي صلي الله عليه وسلم كانت أغلب قراءته نافع، رغم أن نافعا لم ير النبي صلي الله عليه وسلم ونافع هو الذي يقرأ مثل النبي صلي الله عليه وسلم وليس العكس، ولكن لما كان نافع جامعا منفحا لتلك القراءه نسبت إليه وقيل: (إن أغلب قراءة النبي ﷺ نافعا) وعليه فيصح أن تقول: إن عقيدة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه هي عقيدة الأشاعرة".
تبين مما سبق أن اعتقاد السلف هو الإقرار والإمرار دون التعرض للمعنى اللغوي الذي يوهم التشبيه، كما صرح بذلك الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم، وهذه هي عقيدة الأشاعرة، والله تعالى أعلى وأعلم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ترتيب المدارك الثقافي عياض (5/24، ٢٥).
(2) إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان.
(۳) الإدراك في الفنون للأسنوي.
(4) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (ص ١٩٤).
(5) سورة طه آیه: [۳۹].
(6) طرح التثريب للعراقي: ج ٣ ص ١٠٧.
(7) سورة آل عمران آية: [۷].
(8) سورة آل عمران آية : [۷].
(9) سورة الشورى آية : (١١).
(10) اللغة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، ابن قدامة : ص 5 - 8
(11) طبقات الشافعية (٢ / ٢٥٤)
(1۲) معيد النعم ومبيد النقم (ص/ ٦٢)
(1۳) رد المحتار على الدر المختار المعروف ب( الحاشية ابن عابدين): ج 1 ص 49.

 

وسائط

عدد الزيارات 116 مرة
قيم الموضوع
(0 أصوات)