أبو حفص النيسابوري، و اسمه عمرو بن سلم، و يقال: عمرو بن سلمة - و هو الأصح - ، إن شاء الله.
فقد رأيت بخط جدي اسماعيل بن نجيد: " قال أبو عثمان بن اسماعيل: سألت أستاذي أبا حفص، عمر بن سلمة " .
و هو من أهل قرية يقال لها كورداباذ، على باب مدينة نيسابور إذا خرجت إلى بخارى.
صحب عبيد الله بن مهدي الأبيوردي، و عليا النصراباذي، و رافق أحمد بن خضرويه البلخي. و كان أحد الأئمة و السادة. انتمى إليه شاه ابن شجاع الكرماني؛ و أبو عثمان، سعيد بن إسماعيل.
توفي سنة سبعين و مائتين، و يقال: سنة سبع و ستين و الله أعلم.
1 - قرأت بخط أبي عمرو بن حمدان، قال: سمعت أبي يقول: قال أبو حفص: " المعاصي بريد الكفر، كما أن الحمى بريد الموت " .
2 - قال و قال مخمش الجلاب: " صحبت أبا حفص اثنتين و عشرين سنة، ما رأيته ذكر الله تعالى على حد الغفلة و الانبساط؛ و ما كان يذكره إلا على سبيل الحضور، و التعظيم و الحرمة. فكان إذا ذكر الله تغيرت عليه حاله، حتى كان يرى ذلك منه جميع من حضره " .
3 - قال، و قال مرة - و قد ذكر الله تعالى، و تغير عليه حاله - فلما رجع، قال: " ما أبعد ذكرنا من ذكر المحققين! فما أظن أن محقا يذكر الله عن غير غفلة، ثم يبقى بعد ذلك حيا؛ إلا الأنبياء، فأنهم أيدوا بقوة النبوة؛ و خواص الأولياء، بقوة ولايتهم " .
4 - قال، و كان أبو حفص يقول: " من إهانة الدنيا، أني لا أبخل بها على أحد، و لا أبخل بها على نفسي؛ لاحتقارها، واحتقار نفسي عندي " .
5 - قال: و قال محمد بن بحر الشجيني، أخو زكريا: " كنت أخاف الفقر، مع ما كنت أملك من المال. فقال لي يوما أبو حفص: إن قضى الله عليك الفقر لا يقدر أحد أن يغنيك. فذهب خوف الفقر من قلبي رأسا " .
6 - قال، و قال أبو حفص: " الفقير الصادق، الذي يكون في كل وقت بحكمه؛ فإذا ورد عليه وارد يشغله عن حكم وقته، يستوحش منه وينفيه " .
7 - قال، و قال أبو حفص: " ما أعز الفقر إلى الله، و أذل الفقر إلى الأشكال. و ما أحسن الاستغناء بالله، و أقبح الاستغناء باللئام " .
8 - سمعت جدي، رحمه الله، يقول: " كان أبو حفص إذا غضب تكلم في حسن الخلق، حتى يسكن غضبه، ثم يرجع إلى حديثه " .
9 - سمعت عبد الرحمن بن الحسين الصوفي، يقول: بلغني أن مشايخ بغداد اجتمعوا عند أبي حفص، و سألوه عن الفتوة. فقال: " تكلموا أنتم، فإن لكم العبارة و اللسان. فقال الجنيد: الفتوة اسقاط الرؤية، و ترك النسبة. فقال أبو حفص: ما أحسن ما قلت! و لكن الفتوة عندي أداء الإنصاف، و ترك مطالبة الإنصاف. فقال الجنيد: قوموا يا أصحابنا! فقد زاد أبو حفص على آدم و ذريته " .
10 - و سمعت عبد الرحمن يقول: " بلغني أنه لما أراد أبو حفص الخروج من بغداد، شيعه من بها من المشايخ و الفتيان؛ فلما أرادوا أن يرجعوا، قال له بعضهم: دلنا على الفتوة، ما هي؟. فقال: الفتوة تؤخذ استعمالا و معاملة، لا نطقا. فتعجبوا من كلامه " .
11 - قال، و سئل أبو حفص: " هل للفتى من علامة؟. قال: نعم! من يرى الفتيان، و لا يستحي منهم في شمائله، و أفعاله، فهو فتى " .
12 - سمعت أبي يقول، سمعت أبا العباس الدينوري، يقول: قال أبو حفص: " ما دخل قلبي حق و لا باطل، منذ عرفت الله " .
13 - سمعت محمد بن أحمد بن حمدان، يقول: سمعت أبي يقول؛ سمعت أبا حفص، يقول: " تركت العمل، فرجعت إليه؛ ثم تركني العمل، فلم أرجع إليه " .
14 - سمعت أبا أحمد بن عيسى، يقول: سمعت محفوظ بن محمود، يقول: سمعت أبا حفص، يقول: " الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها؛ و الأقبال على الله، لاحتياجك إليه " .
15 - قال؛ و قال رجل لأبي حفص: " إن فلانا، من أصحابك، أبدا يدور حول السماع؛ فإذا سمع هاج و بكى، و مزق ثيابه. فقال أبو حفص: أيش يعمل الفريق؟! يتعلق بكل شيء يظن نجاته فيه " .
16 - قال، و قال أبو حفص: " حرست قلبي عشرين سنة؛ ثم حرسني قلبي عشرين سنة؛ ثم وردت حالة صرنا فيها محروسين جميعا " .
17 - قال، و قال أبو حفص: " من تجرع كأس الشوق يهيم هياما، لا يفيق إلا عند المشاهدة و اللقاء " .
18 - قال، و قال أبو حفص: " إذا رأيت المحب ساكنا هادئا، فاعلم أنه وردت عليه غفلة؛ فإن الحب لا يترك صاحبه يهدأ؛ بل يزعجه في الدنو و البعد، و اللقاء و الحجاب " .
19 - قال، و قال أبو حفص: " التصوف كله آداب: لكل وقت أدب، و لكل مقام أدب. فمن لزم آداب الأوقات، بلغ مبلغ الرجال؛ و من ضيع الآداب، فهو بعيد من حيث يظن القرب، و مردود من حيث يرجو القبول " .
20 - سمعت أبا عمرو بن حمدان، يقول: وجدت في كتاب أبي؛ قال أبو حفص: " الحال لا يفارق العلم، و لا يقارن القول " .
21 - و ذكر أبو عثمان الحيري النيسابوري، عن أبي حفص، أنه قال: " من يعطي و يأخذ فهو رجل؛ و من يعطي و لا يأخذ فهو نصف رجل؛ و من لا يعطي و لا يأخذ فهو همج لا خير فيه. فسئل أبو عثمان، عن معنى هذا الكلام، فقال: من يأخذ من الله، و يعطي لله فهو رجل؛ لأنه لا يرى فيه نفسه بحال. و من يعطي و لا يأخذ، فإنه نصف رجل، لأنه يرى نفسه في ذلك، فيرى أن له - بأن لا يأخذ - فضيلة. و من لا يأخذ و لا يعطي فهو همج، لأنه يظن أنه الآخذ و المعطي، دون الله تعالى " .
22 - سمعت أبا الحسن بن مقسم، ببغداد، يقول: سمعت أبا محمد المرتعش، يقول: سمعت أبا حفص يقول: " ما استحق اسم السخاء، من ذكر العطاء، أو لمحه بقلبه " .
23 - قال، و سئل أبو حفص عن قول الله عز و جل: (و عاشروهن بالمعروف). فقال: " المعاشرة بالمعروف حسن الخلق مع العيال فيما ساءك، و من كرهت صحبتها " .
24 - قال، و سئل أبو حفص عن البخل فقال: " ترك الإيثار عند الحاجة إليه " .
25 - قال، و سئل أيضا: " من الولي؟!. فقال: من أيد بالكرامات، و غيب عنها " .
26 - قال، و قال أبو حفص: " ما ظهرت حالة عالية؛ إلا من ملازمة أصل صحيح " .
27 - قال، و سئل عن أحكام الفقر، و آدابها على الفقراء؛ فقال: " حفظ حرمات المشايخ، و حسن العشرة مع الإخوان، و النصيحة للأصاغر، و ترك الخصومات في الأرزاق، و ملازمة الإيثار، و مجانبة الادخار، و ترك صحبة من ليس من طبقتهم، و المعاونة في أمور الدين و الدنيا " .
28 - قال، و سئل أبو حفص: " من العاقل؟ " . فقال: " المطالب نفسه بالإخلاص " .
29 - قال، و سئل أبو حفص عن العبودية، فقال: " ترك مالك، و التزام ما أمرت به " .
30 - قال، و قال أبو حفص: " من رأى فضل الله عليه، في كل حال، أرجو ألا يهلك " .
31 - قال، و قال أبو حفص: " لا تكن عبادتك لربك سببا لأن تكون معبودا " .
32 - سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت المرتعش، يقول: سمعت أبا حفص، يقول: " إني لا أدعي الخلق، لأني أحس من نفسي سرعة الغضب، و إن لم أظهره. و لا أدعي السخاء، لأني لست آمن من نفسي أن تلاحظ فعله، أو تلتفت إليه، أو تذكر عطاءه وقتا ما " .
33 - قال، و قال أبو حفص: " حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن، لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لو خشع قلبه لخشعت جوارحه).
34 - قال، و سئل أبو حفص: " ما البدعة؟ " . فقال: " التعدي في الأحكام، و التهاون بالسنن، و اتباع الآراء و الأهواء، و ترك الافتداء و الاتباع " .
35 - قال، و سئل أبو حفص: " من الرجال؟ " . فقال: " القائمون مع الله تعالى بوفاء العهود. قال الله تعالى: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).
36 - قال، و قال أبو حفص: " الأيثار: أن تقدم حظوظ الإخوان على حظك، في أمر آخرتك و دنياك " .
راجع : [طبقات الصوفية]