تنتسب هذه الطريقة إلى سيدى العارف القطب الكبير : أحمد الرفاعي، صاحب الطريقة الرفاعية 612هـ - 578هـ، رضى الله عنه وأرضاه .
ولد الرفاعي بقرية حسن من أعمال واسط بالعراق المعروفة بأم عبيدة سنة 512 هـ ومات سنة 578 هـ ودفن في أم عبيدة في قبته المشهورة ، وسيدي أحمد الرفاعي «الرفاعي نسبة إلى جده السابع رفاعة واسمه الحسن وكان قد هاجر من مكة لما كثر الجور على الشرفاء ونزل بالمغرب وأقام في قبيلة من العرب بهذا الاسم بالمغرب قرب أشبيلية. وظل نسله في المغرب إلى أن هاجر أحد أحفاده -وهو السيد يحيى - إلى مكة ومنها هاجر رحمه الله إلى البصرة حيث أنجب السيد أبو الحسن والد الإمام الرفاعي الكبير([1]).
وخلف الرفاعيُّ خالَه الصوفي الكبير الشيخ منصور البطائحي الرباني، وأصبح للرفاعي أتباع كثيرون وأصبحت أم عبيدة مركزا كبيرا للطريقة الرفاعية.
وقد سمى الرفاعي شيخ الطائفة البطائحية([2]) وذلك لسكناه أم عبيدة من قرى البطائح وهي بين البصرة وواسط([3]).
وقد كان رحمه الله تعالى متبعًا للقرآن والسنة، وتميزت شخصيته بالتواضع ودعوته للعمل والتوكل على الله وكان سمحًا محبًا للإنسان والإنسانية جمعا.
فمثلًا مما يدل على دعوته القوية لاتباع القرآن والسنة قوله في كتابه البرهان المؤيد «أي سادة: كونوا مع الشرع في آدابكم كلها ظاهرا وباطنا ، أي سادة: منكم الفقهاء والعلماء أيضا ولكم مجالس وعظ ودروس تقرؤونها وأحكام شرعية تذكرونها وتعلمونها الناس ، بذلك نفسي ولم أترك طريقا إلا سلكته وعرفت صحته بصدق النية والمجاهدة فلم أجد أقرب وأوضح وأحب من العمل بالسنة المحمدية والتخلق بخلق أهل الذل والانكسار والحيرة والافتقار([4]).
وفي نص رائع يقول: «أي سادة: عظموا «سبحانك، لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين» في كل يوم بعد كل يوم صلاة خمسمائة مرة».
ويبقى المريد فى أول دخوله الطريقة الرفاعية على هذه الحالة إلى أن تصدر إشارة للمرشد من طرف السلسلة الرفاعية المباركة بتقريب السالك، فيدخله المرشد في خلوة التهذيب، وهي واحد وأربعون يومًا، وشروطها صيام الأيام المذكورة، ويكون الفطور والسحور فيها على خبز الشعير وماء السكر واللوز أو الفول السوداني بوزن واحد، ويكون في الليل بعد قراءة الورد وذكر العشاء أقله ساعتين وأكثره أربعة، ثمَّ يظل متهجدًا حتَّى الفجر، ويذكر اللَّه ويصلي الصبح، ويبدأ الورد الشريف والاسم المربوط لهذه الخلوة، هو: (يا حميد) في اليوم والليلة الأولى ألف مرة، وفي كل يوم يزيد الذكر ألف مرة إلى ختام الليلة الأخيرة، فيكون واحد وأربعين ألف مرة.
وبعد خروجه يأمره بذكر مناجاة الطالبين، وهو: {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف:10]، بعد كل صلاة خمسمائة وسبعة وخمسين مرة، ويبقى على هذه الحالة إلى أن تظهر للمرشد إشارة من طرف السلسلة الرفاعية المباركة؛ فيرقيه إلى الرتبة التالية، وهي رتبة الخليفة، وهي تجيز إعطاء العهد الرفاعي الكريم.
والورد المربوط لهذه الدرجة هو: (سورة الإخلاص) كل يوم مائة مرة، و(سورة سبح اسم ربك الأعلى) سبع مرات، و(الصلوات على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم) مائة مرة، و(لا إله إلا اللَّه) مائة مرة، والحزب أو الورد الذي تحصل فيه الرخصة من جانب المرشد من أحزاب حضرة الإمام الكبير، ويقول في ليلة الجمعة على الخصوص منفردًا: (أستغفر اللَّه العظيم) مائة مرة، و(الصلاة على سيدنا محمد بصيغة: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الذكي صلاة تحل بها العقد، وتفك بها الكرب، وعلى آله وصحبه وسلِّم) مائة مرة، و(سورة الفاتحة) سبع مرات، وذلك مع قراءة فاتحة للرابطة الرفاعية المباركة.
وعلى صاحب هذه الرتبة (الخليفة) حتمًا خلوة سبعة أيام كل سنة، وابتداء الدخول فيها من اليوم التالي لعاشوراء، ويكون الطعام فيها خاليًا من كل ذي روح.
//والذكر فيها:
اليوم الأول: (لا إله إلا اللَّه) ثلاثة عشر ألف مرة، وعلى رأس كل مائة هذا الدعاء المبارك: اللَّهم، أغرس في قلبي شجرة لا إله إلا اللَّه، وأظهر على لساني ينابيع حكمة لا إله إلا اللَّه، واحفظني يا رب من كل شكٍّ وكفر ورياء، ومن مكر الماكرين، وحسد الحاسدين، وعداوة المعادين، ومن شر نفسي وشيطاني وهواي بعناية ووقاية حفظ لا إله إلا اللَّه).
وذكر اليوم الثاني: (اللَّه) سبعة وعشرون ألف مرة، والدعاء: (اللهم اسقني من خمر المشاهدة، وأغرقني في بحر المراقبة، وفهمني دقائق المعرفة، وحقائق الحقيقة؛ لأكون منك خائفًا، وبك عارفًا).
وذكر اليوم الثالث: (وهاب) اثنين وثلاثين ألف مرة، ودعاؤه: (اللَّهم، ارزقني مواهبك الربانية موهبة أطلع ببركتها على مخفيات الرموز، ومعميات الكنوز؛ فتجلى عين بصيرتي بكحل موهبتك يا وهاب).
وذكر اليوم الرابع: (حي) خمسة وثلاثين ألف مرة، ودعاؤه: (اللَّهًم، أحيني حياة طيبة أذوق بها حياة الحب، وطعم شراب القرب؛ فأكون حيًّا، ولك وليًّا فأموت بك تقيًّا، وأحيا بك مرضيًّا، يا حي).
وذكر اليوم الخامس: (مجيد) ثمانية وثلاثين ألف مرة، ودعاؤه: (اللهم مجد قدري بحبك، وشرف مرتبتي بقربك حتَّى أكون بحبك ممجدًا، وبقربك مؤيدًا، وأطلع عليَّ دقائق المجد، ورقائق المدد والمجد، وألبس من تيجان المجد والسعد بفضل براهين مجدك، يا مجيد).
وذكر اليوم السادس: (معطي) أربعين ألف وثلاثمائة مرة، ودعاؤه: (اللَّهم، أعطني من فضلك عطاءً وفيًّا، أتقرب بسببه لأبواب محبتك، وأكون من أهل حضرتك، وأشاهد أسرارك القدسية؛ فأفوز بعطية جودك الوفية، يا معطي).
وذكر اليوم السابع: (قدوس) خمسة وأربعين ألف مرة، ودعاؤه: (اللَّهم، قدس سري وروحي بسر سرك، وبروح روحك، وأوصني لمنازل الأنس، واسقني من مشارب القدس، فيكون سري بك مقدسًا مطهرًا من كل عيب ودنس عرضي أو وهمي بثبوتي، أو خاطري ببركة قدسك يا قدوس).
خلوة السبعة (المحرم):
وإلى جانب هذه الخلوات المخصوصة بمختلف الدرجات، على كل الإخوان في الطريق الرفاعي، وكل من أخذ العهد أن يقوم بخلوة سبعة أيام، ابتداءً من اليوم التالي من عاشوراء، وهي حتمًا لازمًا باتفاق جميع المراجع، مع كل من أخذ الطريقة الرفاعية، والتمس لأهلها من المريدين والإخوان، وشروطها: صيام السبعة أيام المذكورة، وأن يكون الصائم على وضوءه دائم، ولا ينام في تلك الأيام السبعة مع عياله بفراش قطعًا، ولا يأكل من ذي روح، وأن يحفظ لسانه من التكلم بكلام الدنيا، وأن يربط قلبه في اللَّه بسائر أوقاته وخلواته مع استحضار همة المرشد.
والذكر المربوط للإخوان بهذه الخلوة، هو: (يا وهاب) مائة مرة بعد كل صلاة، ثمَّ مائة مرة: (اللَّهم، صلِّ على سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الذكي، وعلى آله وصحبه وسلم)، مع الفاتحة عند البدء والختام لسيدنا رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، ولصاحب الطريق ت، والسلسلة الرفاعية المباركة، ولشيخه ولأخوانه المسلمين أجمعين.
وقد قال الإمام الرفاعي: (إنَّ خلوة السبعة سبب الفيض للسالك، والمريد الصادق في كل سنة من جهة السلسلة الرفاعية... ومن لم يستطع أن يقوم بالخلوة على وجه الكمال، فلا أقل من أن يقوم بسائر شروطها، ويستعيض عن البعد عن الناس بحفظ لسانه وقلبه.
ولعل هناك اشتراكًا في خلوة السبعة أيام (المحرم) عند الرفاعية، وعند الشيعة... فإذا كانت الخلوة المحرمية تعني أنَّ على الرفاعي أن يعتكف سبعة أيام؛ أولها: الحادي عشر من شهر المحرم، فإنَّ الحادي عشر من محرم الحرام، هو اليوم الثاني؛ لقتل الشهيد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ب، فهذه الأيام السبعة التي يقضيها المريد الرفاعي، تعني إظهار الحزن الشديد على الحسين كما يفعل الشيعة على صورة فيها مبالغة في الحزن، ولكن تقادم العهد أنسى أصحاب الطريقة وغيرهم دلالات مراسمها؛ فلم يلتفتوا إلى المممرات السرية التي تصلهم بالتشيع([5]).
وأنا لا أريد أن أرد أصول الطرق الصوفية إلى التشيع، كما يحاول الأستاذ الدكتور الشيبي...، وإنَّما أردد ما قلته من قبل، ومن المبالغة أن نرد كل اشتراك في ظاهرة إلى تأثير أحدهما في الأخرى، فهنا يظهر تعصب الباحث لمذهبه سواء كان شيعيًّا أو سنيًّا أو صوفيًّا.
وبعد، فهذه هي سائر خطوات التدرج في الطريق وخلوته الشهيرة، عقب عاشوراء. أما سائر الرياضيات فهي الذكر والصلاة على الرسول الكريم، وتلاوة الأدعية وآيات القرآن الكريم، والأحزاب والأوراد.
وفي النهاية، ينبغي أن نشير إلى أنَّ الإمام أحمد الرفاعي لم يقيد أصحابه وأتباعه بزي مخصوص، ولا بلباس مخصوص؛ بل أباح لهم ما أباحه لهم الشرع، ولم يخصص إلا العمامة السوداء، وقد خصص الزي الأسود لنفسه الطاهرة، وأتباعه تخصيص إطلاق بلا قيد، يقول الرفاعي: إنَّ أصول طريقتنا لا تمنع من حسن الزي والمظهر لتنعم؛ لأنَّ ذلك أوجب للشكر، وإنَّما الفقر والزهد محلها القلب، فلا بأس على الفقير أن يتخذ أسباب النعمة مادام قلبه غير متعلق بها.
أما ثياب الإمام الرفاعي نفسه، فمن المعروف أنَّها كانت قصار كمه لا يبلغ قبضته، ولم يلبس ثوبًا جديدًا قط؛ حشية العجب، وكان يفضل المرقعة، وكانت ثيابه كذلك غالبًا.
هذه هي الطريقة الرفاعية في أصولها التي لا تبعد عن الإسلام.
وإذا كان بعض الأتباع قد حاولوا أن يشوهوا الصورة الوضيئة للطريقة الرفاعية، فجعلوها شعوذة ودجالة ولعبًا بالأفاعي والسيخ؛ فلا تنسى أنَّ الرفاعي نفسه يبرأ من هؤلاء جميعًا، فقد قال لمثل هؤلاء القوم من قبل: إياكم والدجالية، إياكم والشيطانية، إياكم والطرق التي تقود إلى كلا الوصفين.
المرجع : الطرق الصوفية في مصر ، نشأتها ونظمها ، أ/د عامر النجار ، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب ، (ص 89 - 106) .