الفصل الرابع عشر فى ذكر البحر والموج والصدف والدرر والمركب والساحل:
البحر: يؤوله الناسك بالمواهب الإلهية ويؤوله بأصناف أعمال البر ويؤوله بأصناف أعمال البر ويؤوله الدنيا ويرى العبور فى الدنيا مثله كراكب البحر بين خطر الغرق والسلامة وقد فرد إذا عبرت وأنت سليم قلب (....) من البلوى فنهيك للسلامة قال الأمام عبد الله الشافعى يعنى إذا عبرت سفينة القلب فى بحر الدنيا ويسوغ أن يؤوله السالك بالطريق وقد يؤوله بالحقائق ويسوغ تأويله بالجناب الإلهى لأتساع صفات الحق تعالى ويسوغ أن يؤوله المحب بالعشق لما فيه من أنواع الغرائب والعجائب مما يلتذ به العاشق ويتألم به جملة واحدة ويؤوله المجذوب بالذات لأنه محل أسناد الصفات ولهذا يؤول الموج بالأسماء والصفات والموج يؤوله الناسك بنفحات الحق ويؤوله السالك بتجلى الواحدية فإن الأمواج غير البحر وتميزت باسم غيره وكل واحدة منها عين الباقى فى الحكم والاسم وإذا سكنت الأمواج ظهر البحر بلا موجة وتلاشت الأمواج كلها فكذلك الأسماء والصفات فى تجلى الواحدية كل واحدة منها عين الثانية من حيث الذات فالمنتقم عين المنعم من حيث الذات فى حكم تجلى الواحدية ولو كان الأسمين متغيرين من حيث الصفتية فإنهما متحدان من حيث الذات فأفهم ويسوغ أن يؤلها المحب بالأشواق المتزايق (....) المتواترة فى قلب المحب مثلها مثل الأمواج ويسوغ أن يؤولها المجذوب بالأسماء والصفات كما سبق.
الصدف والدرر: يسوغ أن يؤوله الناسك بالعمل حملاً على أن الدر هو النية ويسوغ أن يؤول الصدف بالعبادة ويؤول الدر بالجزاء ويسوغ أن يؤول النية بالصدف والمقصد بالدرر ويسوغ أن يؤول الدنيا بالصدف أو الوجود كله يؤوله بالصدف ويؤول الدر بالنبى صلى الله عليه وسلم ويسوغ للسالك أن يؤول الصدف بالمظهر ويؤول الدر بالحقائق ويسوغ أن يؤول الصدف بالقلوب والدر بالأسرار الإلهية المودوعة فيها وقد يؤول المجذوب الصدف بآثار الأسماء والصفات والدر المسمى الوصوف تعالى وتقدس.
السفينة: يسوغ أن يؤولها النساك بالعمر لأنه قد أول البحر بالدنيا ويسوغ أن يؤولها بالقلب لما سبق بيانه من كلام الشيخ عبد الله الشافعى ويسوغ أن يؤولها بالأعمال لأنه بها يصل مطلبه ويؤولها السالك بالشرائع كما يؤول البحر بالحقائق فإن الشريعة مركب أهل الحقيقة فى بحر التوحيد ومن ركب بحر التوحيد بلا تمسك بالشريعة هلك ولهذا قال الشيخ أبو أسحق الكازرونى: (دخلنا بحر التوحيد بثلاثة مئة فقير وشيخ واحد فغرق الجميع ولم يسلم منهم سوى أنا وأخر وذلك لتمسكنا السفينة الشريعة ويسوغ أن يؤوله السالك بالاسم والصفة لأنه بها يعرف الله تعالى ويسوغ أن يؤولها المحب بالتهتك والانخلاع والإطراح لأنه بها يركب بحر العشق فيسير إلى محبوبه ويسوغ أن يؤولها المجذوب بالإلوهة لأنها مجلى الذات فظهوره تعالى على العالم فى تجلى الإلوهة سبحانه.
الساحل: يسوغ أن يؤوله الناسك بالفرد ويسوغ أن يؤوله بالجنة لأنه لا يستقر ويأمن قلبه من الخطر إلا بعد دخول الجنة كما أن راكب البحر لا يأمن الغرق إلا بعد وصوله إلى الساحل ويسوغ أن يؤوله السالك بالحق تعالى فإنه لا يزال فى خطر الانقطاع ما لم يصل إلى الله تعالى وقد ورد من وصل إلى الله لعنه الله من معلولات النفوس وقد يؤوله المحب بالوصال إذا أول البحر بالفراق ويسوغ أن يؤوله المجذوب بظهور حقائق للأسماء والصفات على جسده بآثاره كما قال الله على لسان نبيه: (فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به) فحينئذ يكون لليد أبراء الأكمة والأبرص ويكون للسان أحياء الموتى ويكون للرجل أن تخطو من الشرق إلى الغرب بخطوة واحدة إلى غير ذلك من أثار صفات الله تعالى الظاهرة على أوليائه.