القصيدة الثانية وهى خمسة عشر بيتاً فنقول وبالله التوفيق:
زمان اللقاء بين الكثيب وحاجز سقا ظرفك الميمون ظرف ومحاجرى
وجه السماع للناسك فيه بخطاب أيام معاملاته مع الحق تعالى بأنواع العبادة كنى باللقاء عن الصلاة لأنها صلة بن الله وعبده وكنا بالكثيب عن الصفاء القلبي وبحاجر عن الخشية لأنها تحجز العبد عن المعاصي وأراد بقوله سقا أجنى بالظرف محل تلك الطاعات يعنى يا زمان الطاعات وعدم المعاصي أجنى محلك محاجري يعنى بالعبادة والطاعات لقوله: (إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة) الآية.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة يوم قال الله تعالى له (ألست بربكم) فقال مع الأرواح (بلى) وأراد بقوله سقى ظرفك الميمون يعنى محلك العزيز أحياه ظرف محاجري أي إعادة شهود ذلك المحل المقدس لأن النظر لا يكون إلا بالظرف.
وجه السماع للمحب فيه أيام الكثيب وساعته عند خروج الناس من الجنة للشاهدة بخطابها لطلب تعجيلاً شهود الجمال الإلهي.
وجه السماع للمجذوب فيه يخاطب أيام الله تعالى الإلهية بقوله سقى ظرفك الميمون ظرف محاجري استعارة الظرف هنا للأسماء والصفات لأن الحق تعالى لا يزال متجلياً في أسمائه وصفاته أراد بذلك علم التأويل لا على أنه يجوز أن يكون أسماؤه تعالى ظرفاً أو مظروفاً وأراد بقوله سقى ظهور الأثر لأن يسقى الأرض يظهر نباتها فكأنه يقول أظهرت أثار تلك التجليات محاجري بظهور الحق تعالى عليها لأن الجارحة إذا صبغت بأنوار القرب الإلهي ظهرت الآثار عليها صرفاً وأراد بالكثيب الأسماء التي عرفه الخلق بها وأراد بحاجر الأسماء المستأثرة التي حجر على الخلق معرفتها.
ولا برحت أغصان بانك ديناً يريحنا هب النسيم لماطر
وجه السماع للناسك فيه إتيان أفراد العمل كل فرد فرد على شروطه دائماً بحسن مقصد ونيته في طلب رحمة الله تعالى فجعل الأغصان كناية عن أفراد العمل والنسيم كناية عن النية والمقصد والماطر كناية عن رحمة الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه ظهور تجليات الحق عليه في أسمائه وصفاته دائماً لسابق عناية نفحة إلهية يحيى بها قلبه فأراد بالأغصان التجليات كناية عن تجليات الأسماء والصفات وأراد بالنسيم النفحة الإلهية وبالماطر إحياء القلب.
وجه السماع للمحب فيه تواتر الأشجان ودوام اللوعة لقوة انهماكه في الصبابة العشقية المتغرقة لأحواله كالمطر كنى بالأغصان عن الأشجان وبالترنيح عن حركة القلب لذلك وبالنسيم عن الصبابة العشقية والاستغراق في المحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه ظهور أثار تجليات الحق على سائر أجزاء العبد لدوام تجلياته على القلب لأنها المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد فأراد بالأغصان أجزاء العبد من يده ولسانه وأراد بالبان قرب الحق تعالى المشار إليه بقوله: (كنت سمعه وبصره) الحديث أراد بالتريح الظهور وأراد بهب النسيم العناية الإلهية وأراد بالماطر دوام التجلي.
يذكرني برق الغوير ورعده زفير فؤاد وترنم طائر
وجه السماع للناسك فيه يقول يذكرني لأيام العبادة وطيب أوقاتها زفير فؤاد محب إليها أو ترتم طائر روح عابدٍ أراد عاكفاً على العبادة.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن المجاهدات والرياضات والمكابدات التي تكون للقلب (.....) نار مخالفات النفس ينبغي أن أواظب عليها لأنها ركن من أركان الطريق الموصلة إلى الله تعالى والركن الثاني للطريق هو دوام المراقبة إلى ظهور تجليات الجمال والجلال فكنى بالبرق بتجلي الجمال وبالرعد عن تجلى الجلال وبالزفير عن المجاهدات والمخالفات وبقوله ترنم طائر عن المراقبة ودوام الحضور بالقلب.
وجه السماع للمحب فيه يقول يزعجني إلى طلب ظهور المحبوب علواً بمكانه وسماع خطابه الشوق الكامن بسبب العشق في قلبي والمحتد لقابلية روحي فكنى بالبرق عن الشهود وبالرعد عن المخاطبة وبالزفير عن الشوق الكامن بسبب العشق في القلب وبترنيم طائر عن القابلية التي في روح الإنسان لعلو محتده.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن إظهار حالات الأنس والهيبة على هيكلي لا يكون إلا عن وارد جلالي أو جمالي فكنى عن الأنس بالبرق وعن الهيبة بالرعد وعن الوارد الجلالي بالزفير وعن أنوار الجمال بترنيم طائر.
ليالي نعمان عسالك عودة ويا ناره لا زلت نور ضمائري
وجه السماع للناسك فيه مخاطبته ليالٍ ينعم فيها بالطاعات إلى طلوع الصبح يطلب عودة ذلك الحال ومخاطبة العزيمة التي حملته على ذلك يطلب بقاء تلك العزيمة ودوامها في قلبه حتى يجد ما يحمله على الطاعات فكنى عنها بليالي نعمان عن ليالي الطاعات التي تنقضي كلها إلى السحر في العبادات وكنا بقوله ويا ناره عن نار العزيمة التي تحمله على ذلك فلا يكل ولا يمل.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة يوم نعمان وهو يوم أخرج الله ذريات آدم من ظهره في بطن وادى نعمان فقال لهم ألست بربكم فقالوا بلى كما ورد في الحديث فأراد هذا السالك عود ذلك الخطاب في سمعه الآن كما قال ذو النون: (ذا في إذني) يريد سماع ذلك الخطاب الأقدس وأراد بالنار ظهور التجليات كناية عن ذلك بنار موسى عليه السلام لازلت نور ضمائري يعنى نور قلبي.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة حال كينونته في العلم الإلهي بمعنى أنه كان عيناً ثابتاً لله معدوماً لنفسه يريد عود تلك الحالة ليفنى في حب الله تعالى ويتهتك فيه حتى لا يشعر بنفسه لشدة الوجد فلا يعلم بحاله إلا الله تعالى.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة تجليات الجلال إذا تواترت على قلب العبد فظن أنها كلها تجلى واحد لأن الحجاب رقيق يخاطبها بقول عسى أن التجلي الحاصل في الزمان المتقدم عاد حاصلاً في هذا الزمان لما يجده من إيجاد أثارها في قلبه وليس كذلك بل الله تعالى في كل آن تجلى مخصوص على قلب كل عبد على حدته ومن ثم قال العارفون: (ما تجلى الله بصفة على عبد مرتين ولا تجلى على عبدين بصفة واحدة) وأراد هذا المجذوب بقوله وبالناره لازلت في ضمائري الاهتداء بأنوار الصفات إلى معرفة الذات فجعل تجليات الجلال بمثابة الليل لأن ظلمات الحيرة من سرادق الجلال وجعل النار بمثابة الهداية الإلهية إلى حضرته المقدسة المنزهة حيث كانت سبباً لموسى في سماع قوله: (أنه أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى).
ويا عهد دياك الديار وأهله وفائك من عاهدت له هو غادري
وجه السماع للناسك فيه مخاطبته ما عهده مع الله تعالى في قلبه من دوام الولع بالعبادة هل يكتب له بوفاء ذلك العهد أم هو غادر به فقوله من عاهدت يريد قلبه يعنى هل يفي قلبه بأن يشتغل بالله وبعبادته أم هو غادر به.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبته ما عقده مع الله تعالى في قوله بلى هل سبقت العناية الإلهية له بأن يفي بحقيقة التوحيد أم لا فكنى بعهد الله دياك الديار وأهله عن الميثاق الذى أخذه الله عليه وعلى أهل ذلك المجلى وأراد بمن عاهدت يعنى هل الحق تعالى الذى عاهدته جعلني موافياً بالعهد فهو مبلغي إلى حقيقة التوحيد أم جعلني غادراً فلا يحصل لي إلا التوحيد المجازي.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة الفضل المعهود المعنوي الحاصل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (المرء مع من أحب) يقول أنى قد أحببت الله تعالى ورسوله فيا ذلك الجود المعهود هل قضى الله لي بحصول وفائكم فأكون مع الله ومع رسوله أم قضى لي بنقيضك مكراً إلهياً فكنى بالغدر عن المكر.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة المقام المحمدي وطلب العلم بما أودع الله تعالى في قابلية روحه هل جعل له من عنايته أيفاء ذلك المقام حقه أم لا وكنى بالديار عن المقامات المحمدية من العبودية والعبودة وأمثالها وكنى بالعهد عن مقتضيات التجليات الإلهية التي أشرفته على البلوغ إلى الوراثة المحمدية فكأن مقتضياتها عهد إلا ينتقض ولأجل ذلك قال وفائك من عاهدت يعنى من التجليات الإلهية أم هو غادري بأن يظهر تجلى أخر يناقض تلك فإن تجليات الحق تعالى متقابلة بين البسط والقبض والنعمة والنقمة وأمثال ذلك من الأسماء والصفات الإلهية التي تتضاد أثارها في الكون.
ويا زمن الزند الذى بين لعلع وطيبته أ أنت أم طيف زائر
وجه السماع للناسك فيه مخاطبة زمانه الحالي الذى هو بين عمل ونية يقول هل ذلك مقبول عند الله أم هو طيف زائر يعنى خيال لا حقيقة له فكنى بلعلع عن النية لأنها عند بيت الله تعالى والنية في القلب والقلب من بيوت الحق تعالى وكنى بطيبة عن الأعمال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعمل الصالح وكنى بالزند عن طيب العبادة لقوله: (جعلت قرة عيني في الصلاة).
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة أيام سلوكه في طريق الله بين مراقبة الله ومخالفة النفس يقول هل ذلك منوط بالوصال الحقيقي إلى حقيقة كنت سمعه وبصره أم ذلك طيف زائر بقلبي يعنى نصيب ممتزج لا صرف لأن بعض الأولياء قد يحصل له شمة من مقام الورثة ولكن لا يترقى إليهم لأنه من الأبرار مثلاً وهم من المقربين قال الله تعالى: (أن الأبرار يشربون من كأس مزاجها زنجبيل عينا يشرب بها عباد الله) فكان شراب من كان مزاجاً زنجبيلاً عيناً يشرب بها عباد الله فكان شراب عباد الله صرفاً من الزنجبيل وكان شراب الأبرار ممزوجاً منها وخلاصة المعنى يقول هل الوصول منوط لهذا السلوك أم غايته المزج لا الصرف من شراب حقيقة التوحيد.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة أيام محبته لله تعالى ولرسوله هل تلك المحبة حقيقية خالصة لها أثر في القرب أم هى لدسائس النفس وطلب الجاه عند الله تعالى فلا يكون لها ذلك الأثر فكنى بلعلع عن حب الله تعالى وبطيبة عن حب النبي صلى الله عليه وسلم وكنى بطيف زائر عن عدم الجلوس في الحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبته الكمال الإنساني الذى هو بين تجلى أوصاف إلهية وبين ظهور أخلاق حيوانية بشرية هل الغالب على الولي مقام العندية بالنون أم مقام العبدية بالباء لأن مقام العندية الإلهية يقتضى الاتصاف بأوصاف الربوبية ومقام العبدية بالباء يقتضى إظهار أخلاق البشرية بالعجز والذلة والفاقة وأمثال ذلك يقول أي الحالتين أليق بمكانة الكمال الظهور بصفات الربوبية أم الظهور بصفات العبودية وكنى بلعلع عن مقام العندية بالنون لأن من هو عند الله متصف بصفات الله وكنى بطيبة عن مقام العبدية بالباء لأن لعلع بيت الله وطيبة بلد عبد الله وكنى بقوله أ أنت يريد المشار إليه بلعلع يعنى أ أنت أليق بمكانة الكمال أم طيف زائر يعنى الأخلاق البشرية أنها طيف زائر بمعنى أنها للفناء لا للبقاء.
يا هضبات الخيف يا جبلي منا ويا جمرات الركب أصرفت خاطري
وجه السماع للناسك فيه يخاطب حالتي الخوف والرجاء ورؤيته التقصير جميعاً أصرفت خاطري يعنى أحترق قلبي فكنى بهضاب الخيف عن الخوف وأحواله فيه وكنى بجبلي منا المنا والرجاء وكنى بجمرات الركب عن رؤيته التقصير لأنها منوطة بالأسف والاحتراق كالجمرة.
وجه السماع للسالك فيه يخاطب حالتي السلوك والمراقبة فكنى بهضاب الخيف عن حالات المجاهدات والرياضات وكنى بجبلي منا عن حالات المراقبة والذكر لأنهما منا قلبه يقول مستحقراً لاجتهاده وحاله أنه إذا رأى فعل القوم وسلوكهم احترق قلبه والتهب فكنى بجمرات عن سلوكهم في زمنهم الشيطان والنفس بجمار نار المجاهدات والرياضات والمخلفات وكنى بالركب عن ---- الله يقول إذا نظرت إلى مجاهداتى ومراقباتى ثم رأيت ما ورد عن أحوال الرجال أحترق قلبي لذلك.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة تجليات القبض والبسط فكنى بهضبات الخيف عن تجليات القبض لأن القبض من لوازم الخوف وكنى بجبلى منا عن تجليات البسط لأن البسط منا النفوس يقول أذهب لبى واتلف قلبي تعلقي بتجليات القبض والبسط وأحرقتنى جمرات نار المحبة فكنى عنها بقوله ويا جمرات الركب يعنى ركب الغرام والمحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة تجليات الجمال والجلال المعبر عنهما بجبل منا وهضبات الخيف يقول أن هذه التجليات وآثارها في القلوب أفنته عن محسوسة وأحرقت صفاته وذاته كما تحرق النار الحطب فتفنيها وإلى ذلك أشار بقوله أصرفت خاطري لأنه كنا عن آثارها بجمرات الركب يعنى ركب المشاهدة والعيان.
أنوح ويشجيني الحمام بشدو وأبكى فيحكينى الغمام بهامر
وجه السماع للناسك فيه يقول أنوح على أيام الطاعات وشوقي له أرواح الطائرين في مقامات القرب وأبكى على زمان التفريط فيمطر سحاب الندم والغم على قلبي إذا نظرت إلى أفعالي.
وجه السماع للسالك فيه يقول أهم بالمخالفات والرياضات وتتخلف نفسى لقوة عسكر الهوى في جند القلب فكنى بالحمام عن عسكر الهوى لأن الحمام يطير في الهوى ولأجل هذا جعل بكاه مؤلاً بالمراقبة لأن الدموع محلها العين كذلك المراقبة محلها أعين البصيرة وجعل قوله يحكينى الغمام بهامر قولاً بحديث النفس يعنى أنه إذا حس المراقبة زاحمته الوساوس بالخواطر فمنعته عن ذلك فشبه الخواطر بغمام هامر لكثرتها يقول أهم بالمخالفات والرياضات ولا تطيعني نفسى وأجلس للمراقبات فلا أستطيع لتواتر الوساوس.
وجه السماع للمحب فيه أنوح على الوصال ويطمعنى لذلك قوله عليه السلام: (المرء مع من أحب) وأبكى على فوات أيام العمر فتواتر على الرحمة الإلهية لحضور القلب معه فكنى بالحمام عن النبي صلى الله عليه وسلم وكنى بالشدو عن حديثه وكنى بالغمام الهامر عن رحمة الله التي تتغشى الباكين عليه.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول كلما ظهر لي وصف جمال فتجليت واتصفت به ظهر من وراء ذلك لله نعت جمال لم أكن أعرفه من قبل فأشتاق إليه وكلما ظهر على صفة جلال فاتصفت بها ظهر من وراء ذلك لله تعالى صفات جلالية لا نهاية لها فأنا لا أزال في طلب ما هو وراء حاصلي لأن الله تعالى ليس لأوصافه وأسمائه نهاية فكنى بقوله أنوح عن الاتصاف لأن النوح من لوازم الكلام والكلام من صفات الجمال وكنى بقوله يشجينى عن اشتياقه وكنى بالحمام عن الجمال الإلهي الذى هو طالب له وكنى بالشدو عن ظهوره ولهذا كنى عن الاتصاف بالصفة الجلالية بقوله وأبكى وكنى بقوله فيحكينى الغمام بهامر عن ما يعمله من صفات الله تعالى بواسطة رحمته له بالأعلام فكنى بالغمام عن الرحمة وبالهامر عن التجليات الجلالية بقول كلما قبضت على الاتصاف بصفة من صفات الله تعالى جلالية كانت أم جمالية عرفت من الله تعالى هو وراء ذلك فطلبته ثم لا أزال يظهر من الله شيئاً فشيئا لأنه لا نهاية له.
هوى ونوى والدهر غير مساعد حوى شوى والقلب ليس بصابر
يعنى في الهوى ونوى وفى قلبي حوى وشوى.
وجه السماع للناسك فيه يقول أن الهواء والبعد عن باب الله تعالى عوقانى عن دوام العبادة ومنعانى عن حضوري فكنى بحالة أن الدهر يعنى الوقت غير مساعدنى لذهاب أيام الشيبة التي كان فيها العمل وقد صرت شيخاً فالوقت غير مساعدنى إلى ما أطلبه وأريده وفى قلبي لذلك جوى يعنى محبة وميل إلى الطاعة وفيه شوى من الشى بالنار يريد كناية بذلك عن نار الأسف والندم على ذلك ومع هذا فقلبي صابر عن عبادة الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن هوى النفس الذى هو من لوازم الحجاب والبعد لا يرفعه ويذهبه إلا مخالفات النفس والمجاهدات ووقتي غير مساعدنى بذلك لذهاب الآت المجاهدة والرياضات وإن المراقبة الملازمة في قلبي لله تعالى والنار الكامن في قلبي بسبها منعتني عن التصبر عن المجاهدات والمخالفات.
وجه السماع للمحب فيه يقول لي من المحبة أمر عظيم وأنا في حالة البعد فكيف يكون حال محب بعد عن لقاء محبوبه في أنه لا يجد مساعداً من أهل الزمان فكنى بالدهر عن أهل الوقت فالقلب لذلك جوى يعنى محبة وغرام وشوى يعنى نار شوق يشوى الفؤاد وأنا لست بصابر عن لقائه ما العمل.
وجه السماع للمجذوب فيه تأويل قوله هوى بتجلي الهوية الإلهية وقوله نوى ببعدها عن الإدراك فلا يمكنه معرفة الهوية الإلهية إلا يعلم هو إلا هو إلى ذلك أشار بقوله والدهر غير مساعد أراد بالدهر من فيه من المخلوقين يعنى أن الصفة المخلوقية فيه تقتضى العجز عن معرفة الله فهى غير مساعدة إلى حصول المطلوب في الجناب الإلهي ولو كانت الهمة العالية تتشوف إلى معرفته فإن حصول حقيقة ذلك محال ولهذا قال جوى وشوى يعنى محبته في القلب للمعرفة وتشوقه إلى ذلك وعدم صبر ولكن وجود كمال معرفة الله تعلى مستحيل للعباد فلا يعرف هويته إلا هو تعالى.
خليلي هل لي منكما ما أرومه إذا أحكى أو أبت سرائري
وجه السماع للناسك فيه يخاطب علمه وإيمانه هل لي منكما ما أرومه من التوفيق للطاعة أن اتبعت ما علمت وأمنت بما أخبرت به أو لا ينفع في ذلك إلا محض العناية.
وجه السماع للسالك مخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم وروح شيخه في الطريقة يقول لهما خليلي هل لي من مساعدتكما فيما أطلبه من الوصال إذا حكيت بأمراض قلبي الكامنة بي أو أظهرت سرائر مطاوي سريرتي هل يحصل منكما لي دواء يزيل تلك الأمراض منتظر منكما أم ترجعاني إلى جدى واجتهادي وجمع بين مخاطبته النبي ومخاطبته شيخه لأجل أن شيخه هو الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين شيخه وبين الله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة صفتي جمال المحبوب وجلاله له بطلب الوصال وزوال حجاب البعد وكنى بقوله إذا أنا أحكى أو أبت سرائري عن الذلة والأطراح والفقر والمسكنة بخلع الفرق بينه وبين المحبوب يقول هل تحصل لي نظرة من ألطاف جمال المحبوب وجلاله رحمة منه على لفقري وفاقتي وهل هنا بمعنى تقريب الرجاء لتقريب الحصول كما أن إذا لوقوع المشروط بوقوع الشرط.
وجه السماع للمجذوب فيه خطاب روحه وجسده يقول لهما هل تستقيمان لي على حقيقة الاتصاف والتخلق بصفات الله تعالى وأخلاقه إذا أنا ظهرت لكما من صفات الله وأخلاقه ما جعله الله في وسع قابلية سرى من معرفة ذلك فهل فيكما من الجد والعزمية والتهور والتهئ المعبر عنه بالاستعداد ما يوصلني إلى مطلوبي فكنى بالخليلين عن الروح والجسد لأنهما متخاللان متحابان وكنى بلفظة ما أرومه عن حقيقة الاتصاف وكنى بقوله أحكى أو أبت سرائري عن إظهار ما جبل الله روح الإنسان عليه من معارف الصفات والأسماء الإلهية بالفطرة الأصلية.
وهل تخبراني أين حلت عزية وأترابها الهندات من ال عامر
وجه السماع للناسك فيه مخاطبته علمه إيمانه يقول لهما هل تخبراني وتعزو بي أين حلت عزية يعنى التوفيق لأنه أمر عزيز فأطلبه وأترابها الهندات يعنى الأمور التي هى من لوازم التوفيق كالاهتداء والاقتداء والنسك والورع والتقى من الأمور التي تكون بها عمارة الدار الآخرة للعبد.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة روح النبي صلى الله عليه وسلم وروح شيخه يقول لها وهل تخبراني فتهدياني إلى حقيقة التوحيد وكنا عن حقيقة التوحيد بقوله عزية لعزة حصول ذلك وأراد بأترابها الهندات من ال عامر كناية عن حقائق ما اخبر الله تعالى به من أمر الدار الآخرة والبرزخ وما قبلها وبعدها يقول للنبي عليه السلام ولشيخه هل يهدياني هداية العين إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الأمور التي أمنت بها غيباً هل يحصل لي ذلك عيناً من غير حجاب بواسطتكما.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبة صفتي الجمال والجلال بما يقتضيه من كشف الأمور للعبد المحب برفع الحجب عن حقيقة المطلوب من المحبوب وإليه أشار بقوله هل تخبراني أين حلت عزية يريد هل توقعاني على معرفة ذات الله تعالى بأن تعلماني في أي تجلى يتجلى بها على قلوب عباده الذاتيين فاستعد لذلك بما يليق بحال الوقت وكنى بالأتراب والهندات عن الأسماء والصفات على طريق الإشارة لا على طريق التفسير وأراد بقوله من ال عامر أن تجلياتها تعمر القلوب الخربة.
وجه السماع للمجذوب فيه خطاب روحه وجسده يقول لهما هل تخبراني بحقيقة أثر ما اتصفتما به من صفات الله تعالى أين حلت عزية يعنى في أي مقام يكون فيه القطب لأستقيم فيه وأين يكون أخوانه الكمل من أفراد والأوتاد الذين عمر الله قلبوهم بتجلياته وعمر هياكلهم بحقيقة كنت سمعه وبصره وإلى ذلك أشار بقوله من أل عامر يعنى من الذين عمر الله ظواهرهم وبواطنهم بأنواره وآثاره.
ما حال غزلان الحمى في ربيعه أترتع بالريحان أم بالأذاخر اترتع
يقول هل ظباء الحى ترعى وتأكل من وزق الريحان أم من شجر الأذاخر.
وجه السماع للناسك فيه الاستفهام من علمه وأيمانه عن العباد والسلف المتقدمين هل كانوا في أوقات العبادة مشغولين بأركان العمل أم كانوا مدهوشين بالخوف بين يدى الله تعالى لأنه يقول إن اشتغلت في الصلاة بمراقبة الحق أخذني ذلك عن الأركان فلا أدرى ما أصنع في الصلاة ويفوتني فرض الوقت وإن اشتغلت بعمل الأركان حجبنى ذلك عن الحضور بين يدى الله تعالى بمراقبته فيطلب لمعرفة الأول منهما مسألة مدونة من علمه أو إلهامه الإيمانى ليفعل بمقتضاها.
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ومخاطبة للشيخ يطلب الاستفهام منهما عن القوى الروحانية التي هى الروح والعقل والقلب والفكر والفهم والتمييز وأمثالها أعبر عنها بغزلان الحمى في ربيعة يعنى ربيع سحائب غيث الألطاف الإلهية والعنايات الربانية الكاشفة عن القلوب والعقول للحجب الظلمانية أترتاع هذه الغزلات بالريحان يعنى أتتغذى بالروح الإلهي المعبر عنه بنفحات الرحمن أم تتغذى وتقوى بالمجاهدات والرياضات وكنى عنها بالاذاخر حاصل معناه يقول هل الترقي إلى معرفة الله تعالى بالاستعداد الذى يهبه الله تعالى للعبد فيتزكى بالأعمال والنيات والمخالفات وأمثالها أم هو بالنفس القدسي الإلهي من غير واسطة عمل.
وجه السماع للمحب فيه مخاطبته صفتي الجمال والجلال مستفهماً لمقتضى علومها في القلوب عن حال الواصلين إلى رياض القدس عند رب العالمين هل القوة الحاصلة لهم في أرواحهم للبقاء عند شهود أنوار الجمال والجلال أهى بواسطة تغذيتهم بالذكر والمراقبة أم بواسطة ما أدخر الله تعالى لهم في قلوبهم من الكمال الإلهي فعبر عن الذكر والمراقبة بالريحان وعن ما أدخره الله تعالى فيهم من أسرار كماله بالأذاخر وعن الواصلين بالغزلان وعن رياض القدس بلفظة الربيع.
وجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة روحه وجسده مستفهماً يطلب بهما الكشف عن أهل الله في مقام الوراثة المحمدية هل أعطوا نفوسهم الراحة بترك المجاهدات أم قاموا على ساق الرياضات كأول قدم وضعوه في طريق الله تعالى لأن مقامهم عزيز فلو نظرت إلى ما جعله الله تعالى لهم من الكمال الوجودي قلت الجد والاجتهاد من مثل هؤلاء حجاب عن مقامهم ومانع عن الكمال الإلهي وأن نظرت إلى ما تقتضيه معرفة الله تعالى وجدت الأمر لا نهاية له ووجدت حينئذ نسبة جميع ما عرفوه واتصلوا به في جنب ما هو لله حقيقة ما تعرف ذاته بذلك إنما هو نسبة العدم إلى الوجود فقلت حينئذ السكون لمثل هؤلاء حجاب لأن المطلوب لا يتناهى فالوقوف عن الجد والاجتهاد في الطلب نقص في مقام الكمال فهذا المجذوب يطلب من طريق الاستفهام علم أي الطريقين سلك أهل الله في مقام الوراثة المحمدية يريد أن يعلم ذلك كشفاً وعياناً وشماً ووجداناً من طريق الاتصاف بالعلم.
وكيف أسود الغاب فيها مع الظبى رعا الله أساداً أرعت بجا أذر
وجه السماع للناسك فيه سؤال الكيفية عن أحوالهم عند غلبة النفس بقر الشهوات كيف كانت أحوالهم مع النيات العلية والمقاصد السنية المعبر عنه بالظبى ولهذا أعبر عن قهر النفس وغلبة الشهوة بأسود الغاب ثم قال رعا الله أساداً رعت بجاذر يعنى تلك النفوس المطهرة الزكية التي لم تنقض على القوم نياتهم السنية ومقاصدهم العلية رعاها الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه سؤال الكيفية عن القوى الروحانية التي قهرتها سطوات التجليات الإلهية كيف أحوالها تحت صدمات القهر والهيبة وكيف لم تنعدم وتتلاشى حتى استقامت تلك القوى لمعرفة الله بالله فكنى عن تجليات القهر بالأسود وعن والقوى الروحانية بالظبى لأنها تتلاشى تحت أنوار التجليات فكأنها كالفريسة للأسد ولهذا قال رعا الله أساداً يعنى حفظ الله على ذلك القلوب تلك التجليات ورعها لأن بها رعا تلك القلوب المطهرة فحفظها من الغير فكنى بالجاذر عن القلوب التي سطع أنوار القرب عليها.
وجه السماع للمحب فيه الاستفهام عن حالتي العشق والمعرفة فكنى بالأسود عن العشق لأن العشق يفترس القلب فيعدم جميع معلوماته سوى المحبوب وكنى بالظبى عن المعارف لأن القلوب تصطاد شيئاً فشيئاً كما يصطاد البدوي الظبى يقول كيف الجمع لقلب بين النقيضين بين العشق الذى هو موجب التلاف والفناء والهلاك وبين المعرفة التي هى موجب العقل والحضور والبقاء فلما علم أن ذلك حاصل للكُمل من أهل الله تعالى قال رعا الله أساداً رعت بجاذر دعا لقلوبهم العاشقة بزيادة العشق لأن عشقهم أبقى عليهم معرفة الله تعالى وسواه لا يطيق ذلك.
وجه السماع فيه للمجذوب الاستفهام عن كيفية أحوال الأفراد والأقطاب المعبر عنهم بأسود الغاب كيف كانت أحوالهم في تنزل الغيب على قلوبهم هل كانوا ينبئون بالعلوم الربانية والأخبارات الكونية على طريق الإلقاء أم على طريق الشم والوجدان أم على طريق الكشف والعيان ثم قال رعا الله أساداً يعنى رجالاً كملاً (.....) حق العلوم الإلهية فلم يغفلوا عن الله طرفة عين.
على لذاك العيش أن عاد أننى أسلمه روحي وجسمي وسائري
وجه السماع للناسك فيه يقول على نذر أو فرض وواجب لأيام الطاعات والخلاص عن شوائب المعاصي أن عاد مرة أخرى أنني أسلمه روحي وجسمي وسائري يعنى أشتغل بكليتي في عبادة الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه بعد طلب حصول تلك الحال لقواه الروحانية يقول على نذر أو فرض واجب لئن حصلت لي تلك الحالة إلى أشتغل بجسمانيتي في المجاهدات والرياضات وبروحانيتي في ملاحظة أثار تلك التجليات لا أرجع عنها أبداً وأتى بلفظ العود تنبيها على أنها أن سبقت العناية الإلهية بذلك في ألأزل فهى ستحصل في الدنيا محل العود.
وجه السماع للمحب يقول على ندر أو فرض لئن حصل لي الجمع بين نقيضين العشق والمعرفة أن أنهمك فيها بكليتي.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول على أنى لازم وحق واجب لئن أقمت في مقامات الكمال وبلغت من الوراثة المحمدية حسب ما يقتضيه الوقت والحال لانصرفن عن الكرامات والخوارق حتى لا يظهر على هيكلي أثر مما في باطني من أسرار الله تعالى فأسلم روحي وجسمي وسائري في مقام التسليم والعبودة المحضة لئلا أكون مدعياً للتصرف وخرق العادة بل أكون عبد محضاً لأن في الكرامات وخرق العادات رائحة من أدعاء الربوبية فإنا أطلب التنهى عن ذلك.
فيا ليت شعرى هل يرى شبحي إذا تظاهرت يوماً بالحديث لزائري
الشبح بالشين المعجمة والباء الموحدة والحاء المهملة هو الهيكل والشخص.
وجه السماع للناسك فيه تمنى الشعور هل يعلم ما أكون فيه غداً مع الله في القيامة وما تكون عليه ذاتي من الخير والشر يقول هل من يعلمني عن حقيقة ما سيؤول أمرى إليه بطريق الأعلام الإلهي له بأن يظهره الله تعالى على حالي فيعرفني به أو هل يعلمني الله تعالى بذلك على طريق الرؤيا في النوم فأعلم حالي معه فأسكن روعاً وأمن بذلك من شدة الخوف.
وجه السماع للسالك فيه تمنى الشعور في حالة فنائه عن نفسه هل هو موجود لغيره أم هو مفقود من العالم بالكلية لغلبة حال الفناء على قلبه لأنه لا يشهد لنفسه وجوداً ولا عقل ولا قلباً ولا جسماً ولا موتاً ولا حياتاً بل شغل عن الجميع وفنى عن الكل بملاحظة أنور حضرة القرب من الله تعالى برفع الحجاب عن حقيقة التوحيد اللائق بجلال الله سبحانه وتعالى.
وجه السماع للمحب فيه معلوم من ظاهر البيت حملاً على أن وجوده بالله لا بنفسه فليس له وجود حقيقي ولأجل ذلك تمنى الشعور هل يرى شخصه تنبيها على أنه لا يرى له حقيقة وجود إذ حقيقة ذلك لله.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول متمنياً للشعور هل يعلم ما أنا فيه مع الله تعالى من التمكين والقرب والمكانة إذا تظاهرت بالعبودية المحضة من غير خرق عادة ولا تصدر لكرامة ولا تحدى بشطح بل بلزوم الذلة والافتقار والمسكنة والعجز هل يكون في الناس من يطلع على حالي وهل هنا بمعنى التقليل والسلب يعنى قل أن يعلم حال من هو هكذا أولا يعلم.
تمت القصيدة