التدبير عند أولي البصائر(*)
انعطاف: اعلم أنَّ التدبير مع الله عز وجل عند أولي البصائر إنما هو مخاصمة للربوبية؛ وذلك لأنَّه إذا نزل بك أمر تريد رفعه، أو رفع عنك أمر تريد وضعه، أو تَهَمَّمْتَ بأمر أنت عالم أنه متكفل بذلك، وقائم به إليك، كان ذلك منازعة للربوبية، وخروجًا عن حقيقة العبودية واذكر ها هنا قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾([1]).
ففي هذه الآية توبيخ للإنسان لما غفل عن أصل نشأته، وخاصم منشأه وغفل عن سر بدايته، ونازع مبدأه، وكيف يصلح لمن خلق من نطفة أن ينازع الله في أحكامه، وأن يضاده في نقضه وإبرامه! فاحذر -رحمك الله- التدبير مع الله.
واعلم أنَّ التدبير من أشد حجب القلوب عن مطالعة الغيوب، وإنَّما التدبير للنفس ينبع من وجود الموادة لها ولو غبت عنها فناء، وكنت بالله بقاء لَغَيَّبَكَ ذلك التدبير عن نفسك أو بنفسك، وما أقبح عبدًا جاهلًا بأفعال الله، غافلًا عن حسن نظر الله! ألم تسمع قوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللهِ﴾([2])! فأين الاكتفاء بالله لعبد مدبر مع الله!([3]) ولو اكتفى بتدبير الله له لاقتطعه ذلك عن التدبير مع الله.