اتفق مؤرِّخو صحاح السيرة المحمدية على أنه لما أسلم عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإعلان بالدعوة ونزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:64]؛ فخرج المسلمون جميعًا في صفين على رأس أحدهما حمزة بن عبد المطلب، وعلى رأس الآخر عمر بن الخطاب، واتجهوا نحو الكعبة مكبرين مهللين في وقار وقوة وإيمان تخشع له الظاهر والبواطن، فكانت هذه أول مسيرة في الإسلام، وهي تعتبر عندنا الأصل الأول في سير المواكب الصوفية الهادفة المشروعة الوقورة.
ثم قوي الإسلام وكثر المؤمنون، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا، والبعوث، والكتائب، والجيوش جماعات جماعات، وقد ورد صحيحًا أنهم كانوا إذا علوا شرفًا، مكانًا عاليًا، أو هبطوا سهلًا أو واديًا، أعلنوا بذكر الله، مهللين مكبرين. ولم يخالف في هذا النقل أحد، فكان ذلك. وهو الأصل الثاني عندنا في سير المواكب الصوفية الهادفة المشروعة الوقورة مهللة مكبرة مصلية على النبي صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء يمضون إلى الجهاد الظاهر، وأولئك يمضون إلى الجهاد الباطن، هؤلاء يمارسون الجهاد الأصغر، وأولئك يمارسون الجهاد الأكبر، كلا الجهادين مكمل للآخر، وهذا وذاك في ذات الإله -عز وجل-. والصورة قريبة من الصورة.
إذًا فسير المواكب الصوفية مشروع بشروطه المستقاة من هذين الأصلين الجليلين، أي على صورة مواكب الصحابة جلالًا وإيمانا فلا بد من:
1- النظام: فهو أساس أم العبادات، الصلاة.
2- الوقار: فلا طبول، ولا زمور، ولا تصفيق، ولا صراخ.
3- الإيمان: فلا عكاكيز، ولا بيارق، ولا أوشحة.
4- إرادة وجه الله: فلا نفاق لحاكم، ولا طلب لدنيا.
5- إظهار عزة الإسلام، ومجده، وقوته، ومنعته، وتطبيق شريعته.
6- الإعلان بالذكر الصحيح النطق، المفهوم المعنى، الموزون الصوت.
7- الدعوة بالأدب العلمي الرفيع بلا تطرف ولا استهتار.
8- البراءة من المفاخرة، والمكاثرة، والبدع، والدعاوي، والدعايات، والتهريج، والتخريف؛ احترامًا للدين والدعوة.
9- فهم الهدف ومحاولة تحقيقه قولًا وعملًا، وصورة حقيقة، على أرفع المستويات بعثًا للربانية وحضارة الإسلام.
فإذا خالط المواكب طبل أو زمر أو رقص أو اختلاط بين الجنسين، أو عبث الأطفال، أو حب الظهور، أو أريد به مجرد التهريج والدعاية بالقول أو العمل، أو خالفه الوقار أو الجلال، أو خالف شيئًا من صورة مواكب الصحابة كان حرمًا موبقًا، وسقط الموكب ومن اشترك فيه من عين الله وعين الناس، وتبرأ منه تصوف أهل الله وإن صرخت به حكومات الدنيا، وأشرفت عليه مشيخات العالم.
ولهذا اختارت الطريقة المحمدية البعد عن هذه المواكب نهائيًا لتعذر حمايتها مما لا يرضي الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.