لفظ الصوفي قديم جدًا، وكان قبل البعثة قبيلة صوفية معروفة لدى العرب، وكان لهم خدمة في البيت الحرام. ولكن اللفظ بمعناه الاصطلاحي المعروف الآن لم يعرف إلا في أواخر القرن الأول وأوئل القرن الثاني الهجري. ولعل أقدم من نعرفه قد ذكر الصوفية هو عبد الواحد بن زيد (المتوفي سنة 177هـ) وكان ممن يصحب الحسن البصري (ت سنة 110هـ) رحمه الله، وكان من أجلة أصحابه.
قال أبو النصر السراج: قيل لعبد الواحد بن زيد مَنِ الصوفية عندك؟ قال: القائمون بعقولهم على هممهم، والعاكفون عليها بقلوبهم، المعتصمون بسيدهم من شر نفوسهم هم الصوفية.
وأقدم من ذكر التصوف هو معروف الكرخي (المتوفي سنة 200هـ) حيث قال: التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس مما في أيدي الخلائق.
أما قبل ذلك فقد كان الصوفية يسمون بأسماء تختلف من جهة إلى جهة في بلاد العالم الإسلامي، وكانوا يسمون العباد والزهاد، وأهل الذكر والإرشاد...إلخ...إلخ.
وقد ظهر في الإسكندرية حوالي (سنة 200هـ) طائفة يسمون بالصوفية، يأمرون بالمعروف ويعارضون السلطان، وترأس عليها رجل منهم يقال له أبو عبد الرحمن الصوفي كما ذكره الكندي في القضاة، والمقريزي في الخطط.
وكذلك أطلق لفظ الصوفية على جماعة كانت تحيط بعيسى بن المنكدر، الذي ولي قضاء مصر على عهد المأمون. وكان هؤلاء القوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ولما ولي ابن المنكدر القضاء كانت هذه الطائفة تأتيه وهو في مجلس الحكم فتقول: أيها القاضي ذهب الإسلام، حصل كيت وكيت. فيترك المجلس ويمضي معهم.
أما الصوفي، لقبًا مفردًا، فقد ورد لأول مرة في أوائل القرن الثاني، ونعت به جابر بن حيان (120-198هـ) كما في دائرة المعارف الإسلامية. وهو صاحب رياضة وكمياء من أهل الكوفة، وله مذهب خاص في الزهد.
وكذلك أبو هاشم الصوفي وهو كوفي -أيضًا- متوفي (سنة 150هـ). يقول فيه سفيان الثوري (ت161هـ): لولا أبو هاشم ما عرفت دقيق الرياء. كما في (نفحات الأنس).
بل لقد نقل عن الحسن البصري أنه قال: رأيت صوفيًا في الطواف فأعطيته شيئًا، فلم يأخذه، وقال: معي أربعة دوانيق، يكفيني ما معي. كما في (اللمع والعوارف).
وجاءت بعض الروايات فذكرت ما يفهم منه أن هذا اللفظ كان معروفًا في النصف الأول من القرن الأول.
حدث أبو مخنف عن هشام بن عروة أن عذريًا شكا إلى معاوية إكراه واليه ابن أم الحكم له على طلاق زوجه لجمالها، ورغبة ابن أم الحكم في البناء بها، فكتب إليه معاوية فيما كتبه:
قد كنت تشبه صوفيا له كتب |
* | من الفرائض أو آيات قرآن |
في قصة طويلة ذكرها السراج في (اللمع).
ويبدو أن كلمة صوفي قد ظهرت أول أمرها في الكوفة مقصورة في إطلاقها على أفراد يعتنقون مذهبًا من مذاهب الزهد، وكان عبدك الصوفي آخر أئمته، وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين، وتوفي ببغداد (سنة 210هـ).
وقد قدر لهذا الاسم أن يكون له شأن خطير فيما بعد، فما انقضت خمسون عامًا حتى أصبح يطلق على كافة صوفية العراق خصوصًا من اشتهروا باسم القلندرية، ويغلب عليهم (البسط والسماحة) في مقابل الملامتية، وهم صوفية خراسان ويغلب عليهم (القبض) والاحتياط. ثم أخذ هذا الاسم يطلق بعد ذلك على كافة صوفية المسلمين.