حقيقة السلوك الروحي عند الصوفية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
السلوك الروحي باختصار هو اعادة الروح الى أصل طبيعتها النورانية التي نزلت بها من عند الله، فالروح كائن نوراني خلقه الله بطبيعة نورانية أصلها نقاء وصفاء وطهارة وشفافية، ثم أودع هذه الروح بجسد خلقه الله من طبائع أربعة وهي التراب وماء ونار وهواء وكل طبيعة منها لها صفات تختلف عن الطبيعة الأخرى.
وهذا الجسد ممتزج بنفس جبلت من أربع صفات وهي: صفات الربوبية: مثل الكبرياء ، حب المدح، والشكر، والثناء، الجبروت، العظمة وهذه لا تنبغي إلا لله تعالى. وصفات العبودية: مثل الخضوع لله، التذلل لله، التواضع لله، الرحمة، المودة والمحبة، الرحمة، الشفقة. وصفات حيوانية: مثل الأكل، الشرب، النوم، النكاح . وصفات شيطانية: مثل الكذب، التكبر، العجب، الخداع، المكر، الإغواء، حب المخالفة.
والمطلوب من الإنسان أن يتخلى عن صفات الربوبية وعن الصفات الشيطانية وأن لا يكون أكبر همة الصفات الحيوانية وأن يتمسك ويتحلى بصفات العبودية، والناس في تزكية نفوسهم على درجات، كلٌ حسب همته في السير إلى الله ، والتزامه على منهج الله.
فلما نفخت الروح بهذا الجسد واختلطت بهذه النفس تغيرت طبيعتها النوارنية والتي هي الفطرة التي فطرها الله عليها، وتأثرت بطبيعة الجسد وطبيعة النفس، فقل صفاءها، وتشوش نقاءها، وتدنست طهارتها، وسمكت حجبها فذهبت شفافيتها.
فالسلوك الروحي هو رحلة غايتها إعادة الروح الى أصلها التي هي الفطرة كما ذكرناـ حتى تصبح هي قائدة الانسان، وتكون متصلة بعالمها الأسنى، خاضعة لربها جل في علاه، وترجع طبيعتها نقية صافية طاهرة شفافة.
وللوصول لهذه الحالة ولخوض هذه الرحلة نحتاج الى عدة ، أمور سبعة: وهي الإخلاص وحسن الإقبال والصحبة والمنهج ولزوم العمل والمجاهدة والذكر
وقد قال سيدي الشيخ عقيل المنبجي: طريقتنا اجتماع واستماع واتباع حتى يحصل الانتفاع، طريقتنا صحبة ومحبة وخدمة ولزوم عمل، طريقتنا جد وكد ولزوم حد حتى تنقد.
وفي هذا الزمن الصعب فإن أول الأمور ومفتاحها: الصحبة الصالحة ثم ذكر الله عز وجل فهما مفتاح الخير كله.
ومما يجب أن نعلمه أننا لابد من حفظ حواس الجسد في هذه الرحلة وتسخيرها في سبيل السير والسلوك، فإن الجسد له حواس وكل حاسة له قدرة معينة فالعين تحيط بما حولها ولمسافة معينة اذا لم يحدها حاجز لكن بوجود اي حاجز تتوقف الرؤية، فانت تراني لكن لا ترى ما في قلبي ولا ما غاب عنك ولو كان يبعد عنك متراً واحداً.
لذلك لابد من تفعيل حواس القلب، فالقلب له حواس أخرى غير حواس الجسد، وهي اقوى من حواس الجسد ولا بد من تفعيلها في هذه الرحلة الطيبة المباركة، وكل ذلك أتعلمون لماذا ؟؟؟؟ لكي نصل إلى حواس الروح التي اختفت واندثرت لما تغيرت طبيعتها .
وحواس الروح لها عالم آخر وحال آخر فهي تنطلق ولا تحدها الحدود ولا تحول أمامها الحواجز ولا المسافات فإذا وصل لهذه الحالة، كشف عنه الغطاء وصار بصره نور وصارت بصيرته نور على نور فيرى ما لا يراه غيره ويسمع ما لا يسمعه غيره، وهنا تجلى له الحقائق ويستقي من العلوم والمعارف فتفيض عليه الأنوار وتتجلى عليه الأسرار.
واعلم أن الروح لها قدرة غير قدرة الجسد وغير قدرة القلب: فالقلب يحيط بما حوله معتمدا على حواس الجسد كاملة ولديه حواس تحيط بما خفي لكن ضمن هالة الجسد فقط وتختلف هالة الجسد من شخص لآخر.
بينما الروح تستخدم حواس الجسد والقلب وتحيط بما تصل اليه هالة الجسد وزيادة فهي مطلقة وقدرة الروح تختلف من شخص لآخر حسب قوة ارتباطها بعوالق الجسد، فهناك روح حبيسة لجسد مظلم تسيطر عليه طاقات سلبية، وهناك روح طليقة بسبب نورانية الجسد فكلها طاقات ايجابية هذا هو السر في عالم الروح ذلك العالم العجيب، لكن لابد من الخوض فيه بدقة وقوة فهو لا يتلقى الا عن الصدور.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين