ما مكانة الأخلاق في الإسلام ؟
للأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة، ويدل على تلك المكانة قول النبي صلي الله عليه وسلم : (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاقي) (1). وبين النبي صلي الله عليه وسلم تلك المكانة في حديث آخر حيث قال صلي الله عليه وسلم: (إن مِنْ أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيهِقُونَ) . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَما المُتَفَيهِقُونَ؟ قَالَ [المتكبرُون] (2)، وقوله صلي الله عليه وسلم :(إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا) (3).
هذه الأحاديث وغيرها الكثير تدل على المكانة العظيمة للأخلاق، والحديث الأول يوحي بأن رسالة النبي صلي الله عليه وسلم مقصورة على (مكارم الأخلاق)، ف(إنما) أداة حصر وقصر، فهذا الأسلوب البليغ ينبه المسلمين على تلك المكانة العظيمة التي جعلها الله للأخلاق، بل إن الأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة، والعقلاء يجمعون على أن الصدق، والوفاء بالعهد، والجود والصبر، والشجاعة، ويبذل المعروف أخلاق فاضلة يستحق صاحبها التكريم والثناء، وأن الكذب، والغدر، والجبن والبخل أخلاق سيئة يذم صاحبها.
فالمسلم الحسن الخلق هو من تجتمع فيه الأخلاق الفاضلة، ويخلو من الأخلاق السيئة وقد أرشدنا النبي صلي الله عليه وسلم على أفضلها في الحديث الذي يخاطب فيه أحد أصحابه وهو عقبة بن عامر حيث قال صلي الله عليه وسلم : (يَا عُقْبَةُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: تَصِلُ مَنْ قطَعَكَ، وَنُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ) (4).
وقد تجمعت علامات حسن الخلق في عدة خصال وهي: الحياء، والصلاح، والصدق وقلة الكلام، وكثرة العمل، وترك ما لا يعنيه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصبر، والشكر، والحلم، والعفة. وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة.
ولحسن الخلق عظيم الأثر على المجتمع في الرقي والازدهار، فعندما تنتشر الأخلاق الفاضلة في المجتمع يتقدم ويزدهر، بل إن أصل الحضارة الحقيقية هي حضارة الإنسان وسمو أخلاقه، ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي في هذا المعنى:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالأخلاق الكريمة في إفراز القلب السليم والنفس الزكية، والعقيدة الصحيحة والفكر الرصين، والاستقرار النفسي والإيماني، فهي مظهر ذلك كله، وسوء الأخلاق يدل على خلل في أحد هذه الأشياء أو جميعها. سلمنا الله والمسلمين من سوء الأخلاق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في مسنده: ج ۲ ص ۳۸۲، ومالك في الموطأ: ج ٢ ص ٩٠٤ ولفظ مالك (لأتمم حسن الأخلاق)، والحاكم في المستدرك: ج ٢ ص ٦٧٠، أما لفظ (لأتمم مكارم الأخلاق)، فرواه البيهقي في السنن الكبرى، ج ۱۰ ص ۱۹۱، والقضاعي في مسند الشهاب: ج ۲ ص ۱۹۲
(2) أخرجه أحمد في مسنده: ج 4 ص ١٩٣، والترمذي في سننه : ج 1 ص ٣٧٠، وابن حبان في صحيحه: ج ۲ ص ۲۳۱
(۳) رواه البيهقي في شعب الإيمان: ج 1 ص ٢٤١.
(4) أخرجه أحمد في مسنده: ج ٣ ص ٤٣٨، والحاكم في المستدرك: ج 4 ص ۱۷۸، والطبراني في الأوسط: ج5 من ٣٦٤، وفي الكبير : ج ۱۷ ص ۲۷۹، والبيهقي في سنته الكبرى : ج ۱۰ ص ٢٣٥