التحذير من المجازفة بالتكفير
يخطيء كثير من الناس - أصلحهم الله - في فهم حقيقة الأسباب التي التخرج صاحبها عن دائرة الإسلام وتوجب عليه الحكم بالكفر، فتراهم يسارعون إلى الحكم على المسلم بالكفر لمجرد المخالفة حتى لم يبق من المسلمين على وجه الأرض إلا القليل ، ونحن نتلمس لهؤلاء العذر تحسينا للظن، ونقول لعل نيتهم حسنه من دافع واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن فاتهم أن واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بد في أدائه من المحكمة والموعظة الحسنة وإذ اقتضى الأمر المجادلة يجب أن تكون بالتي هي أحسن كما قال تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) .. وذلك أدعى إلى القبول وأقرب للحصول على المأمول ومخالفته خطاً وحماقة .
فإذا دعوت مسلما يصلى، ويؤدى فرائض الله، ويجتنب محارمه وينشر دعوته، ويشيد مساجده، ويقيم معاهده، إلى أمر تراه حقا ويراه هو على خلافك والرأى فيه بين العلماء مختلف قديما إقرارا وإنكارا فلم يطاوعك في رأيك فرميته بالكفر مجرد مخالفته لرأيك فقد قارفت عظيمة نكراء ، وأتيت أمراً إدا نهاك عنه الله ودعاك إلى الأخد فيه بالحكمة والحسنى.
قال العلامة الإمام السيد أحمد مشهور الحداد: وقد العقد الاجماع على منع تكفير أحد من أهل القبلة إلا بما فيه نفى الصانع القادر جل وعلا أو شرك جل لا يحتمل التأويل أو إنكار النبوة أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة أو إنكار متواتر أو مجمع عليه ضرورة من الدين.
والمعلوم من الدين ضرورة كالتوحيد والنبوات وختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم والبعث في اليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار يكفر جاحده، ولا يعذر أحد من المسلمين بالجهل به إلا من كان حديث عهد في الإسلام فإنه يعذر إلى أن يتعلمه فإنه لا يعذر بعده.
والمتواتر الخبر الذي يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب عن جمع مثلهم اما من حيث الإسناد كحديث: (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ... وإما من حيث الطبقة كتواتر القرآن فإنه تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً درسا وتلاوة وحفظا وتلقاء الكافة عن الكافة طبقة عن طبقة فلا يحتاج إلى إسناد .
وقد يكون تواتر عمل وتوارث كتواتر العمل على شيء من عصر النبوة إلى الآن، أو تواتر علم كتواتر المعجزات فإن مفرداتها وإن كان بعضها أحاداً لكن القدر المشترك منها متواتر قطعاً في علم كل إنسان مسلم .
وإن الحكم على المسلم بالكفر في غير هذه المواطن التي بيناها أمر خطير، وفي الحديث( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). رواه البخاري عن أبي هريرة .
ولا يصح صدوره إلا ممن عرف بنور الشريعة مداخل الكفر ومخارجه والحدود الفاصلة بين الكفر والإيمان في حكم الشريعة الغراء.
فلا يجوز لأي إنسان الركض في هذا الميدان والتكفير بالأوهام والمظان دون تثبت ويفين وعلم متين وإلا اختلط سيلها بالأبطح ولم يبق مسلم على وجه الأرض إلا القليل.
كما لا يجوز التكفير بارتكاب المعاصي مع الإيمان والإقرار بالشهادتين ، وفي الحديث عن أنس رضي الله قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال : لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بالعمل، والجهاد ماض منذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار) ... (أخرجه أبو داود) ..
وكان إمام الحرمين يقول : لو قيل لنا : فصلوا ما يقتضى التكفير من العبارات مما لا يقتضى ، لقلنا : هذا طمع في غير مطمع فإن هذا بعيد المدرك وعر المسلك يستمد من أصول التوحيد ومن لم يحظ بنهايات الحقائق لم يتحصل من دلائل التكفير على وثائق .
لذلك نحذر كل التحذير من المجازفة بالتكفير في غير المواطن السابق بيانها لأنه جد خطير والله الهادي إلى سواء السبيل وإليه المصير.