أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري والمعروف باسم سيدي بومدين أو أبو مدين التلمساني ويلقب بشيخ الشيوخ ولقبه ابن عربي بمعلم المعلمين (509 هـ-1126 في قطنيانة ، 594 هـ-1198 في تلمسان ) فقيه و متصوف وشاعر أندلسي، يعد مؤسس أحد أهم مدارس التصوف في بلاد المغرب العربي والأندلس ، تعلم في إشبيلية و فاس وقضى أغلب حياته في بجاية وكثر أتباعه هناك واشتهر أمره ، فوشى به البعض عند يعقوب المنصور الموحدي بمراكش ، فبعث إليه الخليفة للقدوم عليه لينظر في مزاعم حول خطورته على الدولة الموحدية ، وفي طريقه مرض وتوفي نواحي تلمسان ، وبنى سلاطين بني مرين بضريحه مسجداً ومدرسة. ولأبي مدين شعيب مؤلفات كثيرة في التصوف، وديوان في الشعر الصوفي وكذلك تصانيف من بينها "أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد".
ولد في 1126م لعائلة من أصل عربي في قطنيانة بالقرب من إشبيلية ، ونشأ على تعلم القرآن وهو مشتغل يرعى الغنم لأهله ، وازداد اهتمامه بالقرآن فعزم على حفظه ، فقرر الارتحال لبلاد المغرب، وهو في رحلته لطلب العلم جال مدن سبتة وطنجة بالشمال، واشتغل مع الصيادين ثم انتقل إلى مراكش بالجنوب وانخرط في سلك الجندية وفيها نصحه أحدهم بالتوجه لفاس:
«سرت إليها ولازمت جامعها ورغبت في من علمني أحكام الوضوء والصلاة ثم سألت عن مجالس العلماء فسرت إليها مجلسًا بعد مجلس.»
سافر أبومدين إلى فاس وهناك أخذ عن شيوخ ولازمهم ومال عن آخرين وممن لازم وآخذ عنهم ، الشيخ أبو يعزى بلنور (توفي 572 هـ) ، والشيخ علي بن حرزهم (توفي 559 هـ) الذي قرأ عليه الرعاية للمحاسبي و الشيخ أبو الحسن بن غالب ، أخذ عنه كتاب السنن للترمذي ، والشيخ أبو عبد الله الدقاق وأخذ عنه التصوف.
الحج للمشرق:
قرر الشيخ أبو مدين الذهاب إلى الحج ، وفي رحلته إلى المشرق أخذ عن العلماء والتقى بالزهاد والأولياء ، وكان من أشهر ما حدث له في هذه الزيارة لقاؤه بالشيخ عبد القادر الجيلاني ، فقرأ عليه في الحرم الأحاديث وألبسه خرقة الصوفية ، بعد زيارته المباركة للمشرق ، رجع إلى إفريقية و استوطن في شرق الجزائر في مدينة بجاية حيث عاش هناك أغلب فترات حياته ، هنالك ظهر فضل الشيخ وكثر أتباعه وشاع اسمه وأقام بمسجد بجاية للتدريس و شرع في نشر طريقته بين الناس وكان يقول: "طريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل عليه السلام ، عن ربّ العالمين جل جلاله."
في بلدة بجاية أنجب ولده مدين هناك فعرف بأبى مدين ، وظل يمارس الوعظ والإرشاد في جامع البلدة ومدرستها حتى بلغ الثمانين من عمره وعرف في كل بلاد المغرب الإسلامي.
ومن أقوال الشيخ أبى مدين المأثورة : ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها وكان يقول الغيرة أن لا تعرف ولا تعرف وأغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه.
عرف عبر التاريخ الإسلامي وفي كتب التراث والتاريخ الإسلامي ، ككتاب ابن قنفذ ودائرة المعارف الإسلامية وشذرات الذهب للامام الشعراني وفي كتاب الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الشيوخ أبومدين الغوث وفي العديد من المراجع الإسلامية ويقال إنه خرج علي يده ألف تلميذ وجميعهم من العلماء ولذلك يقال له شيخ مشايخ الإسلام ، وإمام العباد والزهاد ، وقد كان له الفضل في نشر الإسلام في بلدان غرب إفريقيا والطريقة المدينية انبثقت عنها الطريقة الشاذلية والعديد من المذاهب الصوفية وقد ذكر المستشرق سبنسر تريمنجهام في كتابه الطرق الصوفية في الإسلام أن طريقة أبي مدين استمرت من خلال تلميذه عبد السلام بن مشيش المتوفي عام625 هـ1228 م و أبو سعيد الباجي، والشيخ عبد السلام بن مشيش من أعظم تلاميذه البارزين هو أبو الحسن الشاذلي الذي أسس الطريقة الشاذلية والتي انتشرت في شمال إفريقيا من المغرب العربي الي مصر, كما كان لها أتباع في سوريا وبلاد العرب كافة. لذلك فان الشيخ أبومدين الغوث شعيب ابن الحسين يعتبر قطب الاقطاب.
يعد الشيخ شعيب الرجل الثاني بعد عبد القادر الجيلاني في تسلسل أخذ الطريقة الشاذلية لأبي الحسن الشاذلي الذي أخذ عن الشيخ عبد السلام بن مشيش عن أبي مدين شعيب عن عبد القادر الجيلاني عيهم والتي آلت لسيدي لأبي العباس المرسي . ويعد الجد الأكبر لآل مدين الأسرة الصوفية بمصر ولقبه أبو مدين التلمساني نسبة إلى أبنه مدين الأول وتلمسان المدينة التي توفي بها.
وممن تأثروا به في حضرموت الفقيه محمد بن علي باعلوي مؤسس طريقة آل باعلوي الصوفية.
مراجع:
أبو مدين شعيب أبو العباس أحمد الغبريني، عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق عادل نويهض، بيروت: منشورات دار الآفاق الجديدة، 1969.