التعريف به:
هو أحد سادات التابعين الكرام قال عنه أبو نعيم: «ومنهم: الحكيم الدامغ للمشبه الحليم الدافع للمتسفه، أبو عبد الله وهب بن منبه».
مناقبه ومروياته:
روي عن غوث بن جابر، ثنا عقيل بن معقل بن منبه قال: سمعت عمي وهب بن منبه يقول: ألم يفكر ابن آدم، ثم يتفهم ويعتبر، ثم يبصر، ثم يعقل ويتفقه حتى يعلم؛ فيتبين له أن الله حلما به يخلق الأحلام، وعلما به يُعلَّم العلماء، وحكمة بها يتقي الخلق، ويدبر بها أمور الدنيا والآخرة، فإن ابن آدم لن يبلغ بعلمه المقدر على الله الذي لا مقدار له، ولن يبلغ بحلمه المخلوق حلم الله الذي به خلق الخلق كله ولن يبلغ بحكمته حكمة الله التي بها يتقى الخلق ويقدر المقادير، وكيف يشبه ابن آدم رب ابن آدم، وكيف يكون المخلوق كمن خلقه.
وروي عن عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول في موعظة له: يا ابن آدم إنه لا أقوى من خالق، ولا أضعف من مخلوق، ولا أقدر مم طلبته في يده، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه.
وروي عن عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن ناسا من بني إسرائيل سألوا نبيهم عن الرب عز وجل: أين يكون؟ وفي أي الببيوت يكون؟ أم نبني له بيتا نعبده فيه؟ فأوحى الله تعالى إليه: إن قومك سألوك أين أكون فيعبدوني؟ فأي بيت يسعني، ولم تسعني السماوات والأرض، فإذا أرادوا مسكني؛ فإني في قلب العفيف الوادع الورع.
وروي عن جعفر بن سليمان عن أبي سنان قال: اجتمع وهب بن منبه وعطاء الخراساني؛ فقال له عطاء: يا أبا عبد الله ما هذا الكلام الذي بلغني أنه قد فشا عنك في القدر، فقال وهب بن منبه: ما تكلمت في القدر بشيء، ولا أعرف هذا، ثم حدث وهب بن منبه؛ فقال: قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله عز
وجل؛ منها سبعون أو نيف وسبعون ظاهرة في الكتابين ومنها عشرون لا يعلمها إلا قليل من الناس، فوجدت فيها كلها أن من وَكَّل إلى نفسه شيئًا من المشيئة فقد كفر.
وروي عن عقيل بن معقل، قال: سمعت عمي وهب بن منبه يقول: لا يشكن ابن آدم أن الله عز وجل يوقع الأرزاق متفاضلة ومختلفة، فإن تقلل ابن آدم شيئًا من رزقه فليزده رغبة إلى الله عز وجل، ولا يقولن : لو اطلع الله هذا وشعر به غيره، فكيف لا يطلع الله الشيء الذي هو خلقه وقدره؟ أو لا يعبر ابن آدم في غير ذلك مما يتفاضل فيه الناس، فإن الله فضَّل بينهم في الأجسام والألوان والعقول والأحلام، فلا يكبر على ابن آدم أن يُفضّل الله عليه في الرزق والمعيشة، ولا يكبر عليه أنه قد فضَّل عليه في علمه وعقله، أو لا يعلم ابن آدم أن الذي رزقه في ثلاثة: أوان من عمره لم يكن له في واحد منهن كسب ولا حيلة، أنه سوف يرزقه في الزمن الرابع، أول زمن من أزمانه حين كان في رحم أمه يخلق فيه ويرزق من غير مال كسبه في قرار مكين لا يؤذيه فيه حر ولا قر ولا شيء يهمه، ثم أراد الله أن يحوله من تلك المنزلة إلى غيرها، ويُحدث له في الزمن الثاني رزقاً من أمه يكفيه ويغنيه من غير حول ولا قوة، ثم أراد الله أن : يعصمه من ذلك اللبن ويحوله في الزمن الثالث في رزق يُحدِثه له من كسب أبويه، يجعل له الرحمة في قلوبهما حتى يؤثراه على أنفسهما بكسبهما، ويستعنيا روحه بما يعنيها، لا يعنيهما في شيء من ذلك بكسب ولا حيلة يحتالها، حتى يعقل ويُحدِّثَ نفسه أن له حيلة وكسبا، فإنه لن يغنيه في الزمن الرابع إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاث التي قبلها فلا مقال له ولا معذره إلا برحمة الله، هو الذي خلقه، فإن ابن آدم كثير الشك، يقصر به حلمه وعقله عن علم الله، ولا يتفكر في أمره، ولو تفكر حتى يفهم، ويفهم حتى يعلم، علم أن علامة الله التي بها يعرف خلقه الذي خلق ورزقه لما خلق.
وروي عن عطاء الخراساني، قال: لقيت وهب بن منبه في الطريق؛ فقلت: حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي وأوجز، قال: أوحى الله إلى داود يا داود. أما وعزتي وعظمتي لا يشعر بي عبد من عبادي دون خلقي أعلم ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له منهن فرجا ومخرجا، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يده، وأرضخت الأرض من تحته، ولا أبالي في أي وادٍ هلك.
وروي عن محمد بن يحيى المروزي، ثنا أبو بلال الأشعري، ثنا أبو هشام الصنعاني، حدثني عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول: وجدت في بعض الكتب أن الله يقول: كفى بي للعبد ،مالا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته من قبل أن يسألني، وأستجيب له من قبل أن يدعوني فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه.
وروي عن أبي إدريس عن وهب بن منبه قال: قرأت إحدى وسبعين كتابًا فوجدت في جميعها: أن الله عز وجل لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد ﷺ إلا كحبة رمل من بين رمال جميع الدنيا ، وأن محمد ا ل ا ل ل له أرجح الناس عقلا وأفضلهم رايا، وقال وهب بن منبه وإني وجدت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه أن الشيطان لم يكابد شيئًا أشد عليه من مؤمن عاقل، وأنه يكابد مائة ألف جاهل فيسخر بهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء، ويكابد المؤمن العاقل فيصعب عليه حتى لا ينال منه شيئًا، وقال وهب بن منبه لإزالة الجبل صخرة صخرة وحجرًا حجرًا أيسر على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل؛ لأنه إذا كان مؤمنا عاقلا ذا بصيرة، فلهو أثقل على الشيطان من الجبال، وأصعب من الحديد، وإنه ليزايله بكل حيلة، فإذا لم يقدر أن يستزله، قال: يا ويله ما له ولهذا لا حاجة لي بهذا، ولا طاقة لي بهذا، فيرفضه ويتحول إلى الجاهل، فيستأسره ويستمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجل بها في عاجل الدنيا كالجلد والحلق وتسخيم الوجوه والقطع والرجم والصلب،
وأن الرجلين ليستويان في أعمال البر، فيكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر.