فأما صفة الولي: فقد دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفة الأولياء: ((الذين إذا رؤوا ذكر الله))([1])
وفي هذا الحديث الشريف من الدلاله عليهم كفاية تامة. فأولياء الله تعالى الذين إذا رآهم المؤمن عظم ربه وذكر ذنب. ويجب أن تلتمس بركاتهم وتغتنم دعواتهم.
والأصل في ذلك الإقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب } حين ذكر له أويس القرني([2]): ((إن إستطعت أن يغفر لك فأفعل))([3])
ومعناه الحض على لقائهم وطلب دعائهم لأنه لا يعادل أحد صاحبًا من أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النظرة الواحدة من المؤمن في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياء الله تعالى- حسنة من حسناتهم لتبليغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصح به الإفادة. والكل في ميزان النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هادي والمبلغ عن الله.
وشأن الأولياء أن يمنحهم الله تعالى علومًا إلهامية، يكشف بها عما في القلوب حتى تكون حواسهم من السمعٍ، وبصرٍ، وشم، مخالفة لحواس غيرهم.
ولذلك منهم من يرى الملائكة، ومنهم من يرى الجن، ومنهم من يرى البلاد النائية، ومنهم من يرى ما في السموات، ومنهم من يرى اللوح المحفوظ، ومنهم من يقرأ ما فيه.
قال الشيخ عز الدين([4]) في القواعد([5]) حين ذكر هذا ))فسبحان من أعزهم وأدناهم، وأذله آخرين وأقاهم)).
وأعلم أن من أمتثل أوامر الله تعالى وأجتنب نواهيه ورزق الخوف من الله تعالى -لا من خلقه- واجتهد في طاعته -جل وعلا- وبحث عن أمر كسبه، ووقف عند ما حد له، ورجع عن كل ما لا يعلم حكمه، فهو الصالح.
وأعلى درجة من هذا حول الورع التام، وترك الطمع وبغض الدنيا ومن تمسك به، والفرار من دواعيها ومن أهلها، والقناعة باليسير منه. ودرجات الصالحين تختلف بالترقي في ذلك على حسب العناية من الله تعالى في المماليك.
(1)أخرجه أحمد في السند(6/459)، وابن ماجه(4119) من حديث أسماء بنت يزيد، وقال البويري في الزوائد(3/273): إسناده حسن. وروى الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عباس}ما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال: يذكر الله بذكرهم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(10/78)رجاله ثقات
قلت: وقد كان كثير من السلف من إذا رؤى ذكر الله –سبحانه وتعالى-:وذلك مثل: التابعي الجليل عمرو ابن ميمون الأودي، قال الحافظ ابن حجر في التهذيب(8/109) كان صالحًا قانتًا، وكان إذا رؤى ذكر الله وقال الذهبي في تاريخ دول الإسلام (4/193) كان محمد بن سيرين إذا مر بالسوق، فما يراه أحد إلا ذكر الله.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (9/267)عن يونس بن عبيد أنه قال: كان الرجل إذا نظر للحسن البصري أنتفع به، وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه.
(2)هو:أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، من بني قرن، أحد النساك العباد من سادات التابعين، أصله من اليمن، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وفد على عمر بن الخطاب ثم سكن الكوفة وشهد وقعة صفين مع علي بن أبى طالب، ويرجح الكثير إنه قتل فيه.
انظر طبقات ابن سعد(6/111)، وحلية الأولياء(2/79)، والأعلام للزركلي(2/32).
(1)هو: عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم بن الحسن السلمي، عز الدين الملقب بـــ سلطان العلماء الأغمام الفقيه المجتهد، ولد بدمشق سنة 577هـ وتوفى بالقاهرة سنة 660هـ، له المصنفات العديدة والمفيدة، منها: قواعد الأحكام في إصلاح الأنانم، وبداية السول في تفضيل الرسول، وشجرة الأحوال والمعارف. انظر طبقات الشافعية الكبرى(5/107:80)، والأعلام للزركلي(4/21).