هو الكشف الأعظم المعبر عنه بمطالعة الجمال الإلهي وهو على ثلاثة مراتب بعضها أعلى من بعض المرتبة الأولى شهود الحق بالحق في المظاهر الخلقية وهذا الشهود مطالعة عيانية بالبصر الحسى وذلك لأهل البداية في طريق الحق بأبصارهم لأن الله تعالى قد أكسب أبصارهم نوراً إلهياً فيه يرونه لا بنفوسهم وهذا النور الإلهي الذى أشرت إليه هو من فيض (كنت سمعه وبصره) الحديث وعلامة من كمل في هذا المشهد أن يحجب الله عنه الأكوان جميعها فلا يرى شيئاً سوى الله تعالى ودون ذلك ثلاث مشاهد في هذه المرتبة أحدها أن يرى الله بعد أن يرى الأشياء وإلى ذلك أشار القائل في قوله: (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله بعده) المشهد الثاني في أن يرى الله عند رؤية الأشياء وإلى ذلك أشار القائل بقوله: (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه) أو قال (فيه) والمشهد الثالث أن يرى الله قبل رؤيته للأشياء وإلى ذلك المعنى أشار القائل بقوله: (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله) وكل واحد من هذه الثلاث المشاهد أعلى مما قبله وأعلى من الجميع في منظر الشهود من ستر الله عنه الأكوان فما رأى إلا الله وهنا مسألة دقيقة أخاف اشتباهها عليك فأقول منبها لعلك أن تقول أن الذى يجمع له بين راية الحق والخلق أكمل ممن يقتصر على شهود الحق فكيف قلت أن من لا يرى الخلق أكمل الجواب أعلم في أن رؤية الحق والخلق لا تجتمع إلا لأهل مقام البقاء والمشاهد في مقام الفناء فمتى نظر إلى الخلق علم أن فيه بقية نظر بها إلى الخلق فالمطلوب في مرتبة الشهود العيني (....) الحسى أن لا يشهد شيئاً سوى الله وأن لا يكون شهوده إلا بالله وهذه المرتبة وإن جلت فهى مخصوصة بعوام أهل الله المرتبة الثانية شهود الحق بالحق في المظاهر الحقية وهى الأسماء والصفات وهذا الشهود لا يكون إلا قلبياً لأن الصفات معانى كمالات إلهية والمعاني لا يمكن شهودها إلا بالبصيرة لأن البصر مقيد بالأجسام والأرواح والبصيرة تشهد المعاني صوراً بخلاف البصر وكان هذا المشهد أعلى من المشهد المتقدم ذكره لأن شهود البصر مقيد بالمظاهر الخلقية وشهود البصيرة غير مقيد بذلك بل مطلق فتارة يشهده في مظاهره الحقية وتارة يشهده في مظاهره الخلقية المرتبة الثالثة هو الشهود المطلق المخصوص بالكمل وأول مراتبه الوجود وليس لأخره نهاية.