أعلم أن جميع ما أشرنا إليه من تأويل هذه الألفاظ بما أولتاها به ليس بمقصور ولا محصور على ذلك بل لكل كلمة من هذه الكلمات تأويلات كثيرة مرة تفاجأ عباد الله تعالى من غير تعمل ولا اجتلاب لأن أسماع قلوبهم مصروفة للتلقي إلى باب خزائن جود الله تعالى ومواهبه فتفاجئهم تلك المعاني من غير سابقة علم بها فلا تتوهم أنهم يتعلمون تأويل ذلك في حالة الوجد يبد أن التعمل جائز للمتواجد وقد فتحت لك باباً كبيراً إلى معرفة طرق من التأويلات السابقة التي هى لأرباب السماع ولكن على شرط التنزيه وعدم الخروج عن قيود التشريع من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تسمية للفظ بما يؤوله به بل إذا سمع شيئاً من الألفاظ المذكورة انتقل ذهنه بالكلية منها إلى تلك المعاني الواردة فيسمع فيها لا على شرط اللزوم والتقييد والتسمي والتشبيه والتمثيل بل على حكم الوفاء بما يجب لله من تنزيه وتقديسه من غير نظر إلى ظاهر اللفظ ولا إلى مفهومه بل أن يكون هذا اللفظ سبباً له إلى ذكر ذلك المعنى مثالاً سمعت قائلاً يقول:
أرخى الرداء عليه من أطرافه | وسبى القلوب بعقد ذاك الميزر |
فلا تشتغل بذكر الإرخاء ولا الأطراف ولا العقد ولا بلفظ عليه بل انتقل بمجرد سماع هذا اللفظ إلى قوله العظمة أزاري والكبرياء ردائي وما عليك من باقي البيت فإن فتح الله عليك بشيء أخر يناسب هذا انتقلت إليه من بقية الألفاظ وإلا فأتركها لغواً فإنك إذا لازمت على ذلك يفتح الله لك حتى لا تمر بلفظة إلا ويرد عليك من فضل الله تعالى ما يسوغ تأويله به فإياك أن تشغل قلبك في السماع بما عسى أن لا يوافق التنزيه فإنك تبقى مشغولاً بالقشر عن اللب بل أعقد خاطرك على التنزيه المطلق لله بنسبة ما يجب أن ينسب إليه من أوصاف الألوهية ونعوت الكبرياء والعظمة كما هى له تعالى ثم أتبع أحسن ما تسمع ودع ما لا تجد له تأويلاً لتفرغ عن الأشياء في اشتغالك بالله فأكتف من القصيدة كلها بما يفتح عليك من تأويل ألفاظها لتشتغل بذلك عما سواها فإنك أن اشتغلت عنها ضيعت نقد الوقت بما يشغلك عن مقصودك الله إلا تكون ممن جرت سنة الله له أن يرد عليه فتحاً من الله معرفة ما توجد بعلمه فلا بأس عليك ان تتائنق (....) في كل كلمة وحرف وإشارة ولغز إلى أن تجد تأويله موافقاً لمطلوبك على حسب ما يقتضيه تنزيه الباري عز وجل وها أنا أذكر لك قصائد وأشرحها لفظة لفظة بطريق التأويل من غير تشبيه ولا تعطيل والله يقول الحق ويهدى للسبيل.