الفصل الموفي عشرين في ذكر الكأس والمدام والبن (....) والحانة والسكر:
الكأس: يسوغ أن يؤله الناسك بالموت ويؤوله السالك بالسلوك لأنه بسلوكه في الطريق يشرب من خمور الوصال ويؤوله المحب بالمحبة وقد ورد: (شربت كأساً بعد كأس بأقداح المحبة والغرام) ويسوغ أن يؤوله المجذوب بالأسماء الإلهية لأنه يشرب من خمر معرفة الله تعالى بواسطتها المدام والخمر بمعنى واحد وله أسماء شتى يسوغ تأويل ذلك للناسك بالشراب الطهور الذى هو في الجنة المشار إليه بقوله: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) ويسوغ أن يؤوله الناسك بذكر الله تعالى قال بعضهم شربنا على ذكر الحبيب مدامة ويسوغ أن يؤوله السالك بالتجليات التي تسكر العبد بظهورها فيغيب عن إحساسه فكأنه خمر ويسوغ أن يؤوله المجذوب بالله السائرة في وجود الولي عند كشف الغطاء بتحقق الحقائق في تمكينه من التخلق بأخلاق الله تعالى.
ألدان: يسوغ أن يؤوله الناسك بالعلم لأنه محل المعرفة بأمر الله ونهيه وبه يعرف الذاكر والعابد كيف يذكر ويعبد الله تعالى فهو بمنزلة الدن وقد يؤوله السالك بالتوحيد الحقيقي لأنه بواسطته يغترف من مشارب الوصال وقد يؤوله المحب بالمحبوب لأنه محل كل حسن وجمال وقد يؤوله المجذوب بالاسم (الله) لأنه أسم ذاتي والذات جامعة للأسماء والصفات.
الحانة: يسوغ أن يؤوله الناسك بالجنة لأنها محل خمور القرب السالك بالقلب لأنه محل تجليات الحق وقد يؤوله المحب بالعشق لأنه محل السكر بصفات المحبوبة ويؤوله المجذوب بالعندية الإلهية فمن كان عند الله شرب من كؤوس المشاهد ما يسكر.
السكر: يسوغ أن يؤوله الناسك بالغفلة في الدنيا عن الله تعالى وعن عبادته ويسوغ أن يؤوله بالحضور في الأعمال وجمعية الخاطر على فهم ما يتلوه ويتأمل معانيه فإن المشتغل بذلك يكون كالسكران عما سواه وقد يؤوله السالك بالسكر في حقيقة التوحيد يعنى سكر شهود وحدانية الله تعالى فلا يخطر به ما سوى الله تعالى وقد يؤوله المحب بالعشق فإن العاشق سكران وقد يؤوله المجذوب بالجذبة الإلهية التي تسلب العبد عقله ولبه بل كله فهو سكران لا يشعر بذات نفسه لغلبة ظهور الحق تعالى.