القصيدة السابعة خمسة أبيات وهى:
لا تستعجلوني التفرق واقع وتحملي فالعمر ما هو راجع
وجه السماع للناسك فيه مخاطبة نفسه يقول لها لا تطلبي عاجل لذات الدنيا لأنها فانية إذا ذهب وقتها لا ترجع فلا ينبغي أن يشتغل العاقل بها بل الرجل من زهد فيها.
وجه السماع للسالك فيه يقول لنفسه لا تعجلي في طلب الوصول بل أصبر على مكابدة المجاهدات والرياضات والمخالفات مع الأنفاس ولا تضيعي نفيس العمر بالأماني فإن ما مضى منه لا يرجع ولا يعود لأنك أن استعجلت ذلك فقد اعترضت وجعلت لك إرادة خلاف أرادة مولاك فالمصلحة تفويض الأمر إليه وعدم التعجيل فتحملي مدة الحياة إلى أن يكشف الله عنك الغطاء وقد أديت حق العبودية.
وجه السماع للمحب فيه يقول لنفسه مخاطباً لها عن ربه لا تعجلي بالرجوع عن الحضور بين أيدينا إلى ذكر نفسك لأن من شرائط العشق والمحبة أن لا يخطر ببالك ذكر نفسك ولا ذكر شيء من العالم بأجمعه بل من كمال شرائط العشق أن لا يكون لك شعور بشيء من الأكوان بحال بل تكون مستهتراً في عشقنا فانياً عما سوانا وإذا لم تكن كذلك يقع دوام استعجاب فيما بينك وبيننا ولا ترانا وإليه الإشارة بقوله أن التفرق واقع يعنى إذا لم تصبري على مجالستنا يقع الفراق والحجاب وتحملي فالعمر ما هو راجع يعنى ان كل نفس من هذا الأنفاس الصادرة منك إذا صدرت وأنت غافل عن كمال ما يقتضيه مقام العشق من الاستهتار فينا فإنها لا ترجع إليك ويبقى فواتها نقصاً في مقام العشق عليك وكذلك أن صدرت وأنت مستوف لشرائط العشق فإنها تكون شاهدة لك بكمال مقامك فأستغنم الأنفاس في دوام ملاحظة الجمال الأنفس.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول لجسمانيته لا تعجلي بإظهار أثار كمال الاتصاف فإن الكون هذا ليس في قابليته أن يستوفى ما لله في أوصافه ثم أن العالم الدنيوي أيضا لا يسع ظهور ذلك فإذا انتقل العبد إلى المحل المشار إليه بقوله تعالى: (عند مليك مقتدر) أمكنه حينئذ أن يظهر ما أتصف به لأن تلك الدار محل الكشف ورفع الحجاب وهذه الدار محل الحجاب والتحجير فلا تعجلي يا جوارح ان التفرق واقع بلزوم أحكام البشرية إذ ليس للعبد في أوصاف الحق ما له فيها فلابد من العجز ليحصل الفرق بين المتصف بالصفة والموصوف بها لذاته وتجملي بملاحظة الكمال يعنى اكتسبى جمال الحق بملاحظته فإن بالانسلاخ من هذه الدار يظهر لك سر ذلك ويتحكم في أثار ما تتصف به فتظهر ما تشاء وتخفى ما تشاء فتجملي يعنى اكتسبى هذا الكمال والجمال واسعى في زيادة هذا الكسب وإذا انتقلت من هذه الدار بقيت في المقام الذى قبضت عليه وفاتك زيادات كثيرة فاستغنمى مدة العمر فإنه أن مضى لا رجوع له.
لا تفجعينا بالهموم وبالاسى إن الهموم لمن فجعت توابع
وجه السماع للناسك فيه يقول لنفسه لا تفجعينا بهموم الرزق واشتغال الدنيا إن الهموم لمن فجعت توابع يعنى إذا خشى المرء على نفسه من الفوات تبعته كل الهموم وإذا توكل على الله وسمح بنفسه لله فرغ عن كل هم وبقى مراحاً.
وجه السماع للسالك فيه يقول لنفسه لا يهو لك ارتكاب الأهوال وإلا ترجعي عن أمر يهوى لك في مخالفات النفس وفى سلوك طريق القوم فإن المرء إذا كان جباناً عن ارتكاب الهول لقيت الهموم المتفرقة إليه طريقاً وإذا كان شجاعاً في الطريق لا يلتفت على ما وقع تنفني عنه الهموم المتفرقة ويجتمع همه على الله تعالى وحده كمال قال بعض الأولياء رضى الله عنه:
كانت لقلبي أهواء متفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهواء
لأن السالك إذا لم يكن له هم إلا الله تعالى وحده سهل عليه ارتكاب المشاق لأنه لا يهمه هلاك نفسه ولا يبالى بما يصيبها.
وجه السماع للمحب فيه يقول مجاوباً لما خوطب به فكأنه يناجى صفات الله تعالى يقول لا تفجعينا بهموم استيفاء شرائط الذى أشرت إليه فإني إذا اشتغلت لذلك شغلت عن ملاحظة الكمال وإليه الإشارة بقوله أن الهموم لم فجعت توابع يعنى فلا تظهري لنا شرائط العشق في صورة تهولنا بك سهلي لنا تلك المصاعب وتفضلي علينا بالجذب إلى ذلك الجناب يخاطب بلفظ التأنيث نظراً إلى مقتضيات الأسماء والصفات.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول مخاطباً لجسمانيته لا تفجعي بذكرى لنقصك وكمال الله تعالى فتخنسي عن طلب الاتصاف بصفات الله تعالى كما ينبغي بل لك ان تطلبي من الحق عين التخلق بأخلاقه فإن لله عناية بك حيث أهلك وقربك إلى مقام كنت سمعه وبصره ويده ولسانه فبسر هذه الكينونة لا بأس عليك لو أعليت همتك في طلب حقيقة الاتصاف فإن الله تعالى يحب أن يطلبه عبده لأنه لا يتناهى كنى بقوله تفجعينا بالهوم وبالنوى---- يعنى باهتمامك بعجزك وبعد المطلوب الذى لا نهاية له لا تدخلك الفجيعة فتشتغلى بها عن الكمال فتكسر زجاجة الهمة أن الهموم لمن فجعت توابع يعنى الاهتمام لما اشرنا إليه من حكم العجز الخلقي توابع فلا حاجة إلى اجتلابه بزيادة ملاحظة ذلك بل ينبغي للكامل ملاحظة كمال الباري تعالى ليكتسب منه ما يليق به من الاتصاف بالكمال الإلهي مع علمه بمقام عجز من غير جحود بك بغيبوبته عن ذلك لاستغراقه في تجليات الباري عز وجل من غير فناء بل في مقامات البقاء والتمكين بالتمييز التام في الأفق المبين.
يا أم عمرو اسعدي وتعطفي زمنا قليلاً للذي هو طامع
وجه السماع للناسك فيه يقول لنفسه اسعدي وتعطفي يعنى ساعدينى وأقبلى على عبادة الله تعالى مدة الحياة.
وجه السماع للسالك فيه يقول لروحه اسعدينى وساعدينى بظهور السر الإلهي الموجود فيك وتعطفي على هيكلي بظهور الأحكام الروحية على هيكلي حتى لا أخلد إلى الأرض بسبب الشهوانيات بل أرتاض الأيام والليالي بالجوع وقل الهجوع وأمثالها من الأمور التي هى في قوة الروح لا في طاقة الجسم.
وجه السماع للمحب فيه يقول مخاطباً لأم الكتاب يا أم عمرو اسعدي وتعطفي يخاطب العلم الإلهي فإذا كان في العلم سعادة إنسان بإقبال الحق عليه وجد ذلك الإنسان في العالم على تلك الحالة فكنى بعمرو عن الكتاب.
وجه السماع والمقصد للمجذوب فيه يقول لجسمانيته يا أم عمرو اسعدي نفسك بدوام إظهار أنوار الكمالات الإلهية المودوعة فيك بغير حلول من مقام كنت سمعه ويده ولسانه أظهر أثار القرب على جوارحك فتظفر بمقام الكمال الإنساني فإن الطمع باق ما دام الإنسان موجوداً في هذه الدار فإذا انحل قبض على ما قبض فتكون ترقياته دون الحيطة والكمال بهذا المقام عند الكبير المتعال.
ما للحياة إذا أرحلت لذاذة هلا أقمت ليشتفي بك والع
وجه السماع للناسك يقول لنفسه ما لحياة المرء لذة إذا لم يقبل على العبادة فإذا رحل عن العبادة تبقى حياته بغير فائدة فلا لذة فيها للعابد هلا أقمت أيها النفس على الإقبال والدوام في العبادة ليشتفي بفعلك متولع بعبودية الحق تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول ما للحياة القلب ظهور وزيادة لسريان بأنواع المعارف إذا لم يستقيم السالك على جادة الطريق بأنواع المخالفات والمجاهدات والرياضات والمراقبات الاستقامة الكلية ظاهراً وباطناً.
وجه السماع للمحب فيه يقول مخاطباً لربه ما للحياة المرء في الدنيا أو في الآخرة لذة إذا غبت عنه بأنواع الحجب ثم طلب كشف الحجاب عن ذلك الحال بقوله هلا أقمت لتشفى بك والع أي هلا ظهرت بجمالك لكى يشفى قلب متولع بك.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول لجسمانيته ما للحياة بالله لذة كاملة إذا لم تظهر أثار تلك الحياة على العبد في سائر جوارحه فتكون الرجل لها الخطوة واليد لها أبراء الأكمة والأبرص وكذلك كل جارحة بما تقتضيه فجعل الرحيل بمعنى عدم ظهور الأثر أن الراحل كلا يكون له أثر في المكان وجعل الإقامة بمعنى ظهور أثار الحياة بالله على العبد الكامل.
زمن الحياة قليلة فتصبري وتصنعي ما أنت بعدى صانع
وجه السماع للناسك يقول لنفسه ان مدة العمر قليلة فتصبري على مشاق التكليف لتعلمي في الجنة ما تريدين إذا خرجتي من دار الدنيا وأنت سالمة من أفعال المعاصي.
وجه السماع للسالك فيه يقول مخاطبة لنفسه أن كلف الطريق إلى حصول حياة القلب قليلة وإن الشخص ليقطع الطريق كله إذا حصلت الاستقامة بمدة يسيرة فتصبري وإذا وصلت إلى الله تعالى وزالت العلل وظهر أثر الوصل على جوارحك فتصنعي بعد ذلك ما أنت صانعة يعنى أفعلى بعد ذلك ما أردت من أكل الطيب ولبس الحس والترفه في الملبس والمسكن وأما قبل ذلك فاصبرى على أحكام الطريق.
وجه السماع للمحب فيه يقول لنفسه مخاطباً لها عن ربه على نسق الجواب لها عن البيت الأول زمن حياة الدنيا التي هى دار الحجاب قليلة فتصبري فيها على محن العشق وبلايا المحبة حتى تصلى إلى دار الكشف والكرامة فاطلبى فيها ما أنت طالبة من أنواع الشهود والوجود ليحصل ذلك على حسب المراد لأن الدار تقتضى ذلك.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول لجسمانيته باعتبار ما في مقام التمكين أن مدة الدنيا قليلة فتصبري فيها من إظهار الكرامات وخرق العادات لأنها دار العبودية والتكليف فلا تفعلي فيها ما لا تقتضيه الدار وتصنعي إذا رحلت بعد ذلك في الدار الآخرة ما أنت صانعة من ذلك فلا حجر عليك هنالك لأنها دار إظهار الربوبية التي كانت باطنة في العبد بغير حلول في دار الدنيا إلا ترى أن كل واحد من أهل الجنة له فيها ما يشاء فيقول للشيء كن فيكون وهذا الأمر هو من خصائص الربوبية فافهم.