القصيدة الثامنة أربعة أبيات
أحب وميض البرق وإن لاح نجد وارعاه أن لاه على الغور من بعد
وجه السماع للناسك فيه يقول أحب امتثال الأمر بلزوم الطاعة وأرعى حدود الله تعالى بترك المعاصي فجعل نجدا مؤولاً بالأمر بالطاعات وجعل الغور معبر عن النهى عن المعاصي لأن نجدا هو ما ارتفع من الأرض فهو مناسب لثواب الطاعة في الدرجات العلى والغور هو ما أنخفض من الأرض فهو مناسب لعقاب المعاصي.
وجه السماع للسالك فيه يقول أنا مع الإرادة الإلهية قد سلمت إليها عنان أمرى فأنا تبع لها فأحب مراد الحق تعالى فان أراد منى القرب والاختصاص فمرادي ما أراد وإن أراد منى البعد والحجاب فأنى لا أريد إلا مراده فلا اعتراض لي عليه ولا تحكم لي لديه.
وقال الإمام شرف الدين عمر بن الفارض:
لك الحكم في أمرى فما شئت فاصنعى فلم يك إلا فيك لا عنك رغبتي
المراد قوله في النصف الأول فما شئت فاصنعى وأما النصف الثاني فهو ولو جعل لنفسه رغبة فيه فأن ذلك لا يعطى أنه طلب الوصال أو طلب منه شيئاً بل لا يقدح في أنه لا أرادة له إلا مراد الحبيب فليتأمل.
وجه السماع للمحب فيه يقول حيث ظهر المحبوب في صفة فأنى عندها فأن تجلى لي في صفة جمال فإني مستغرق في شهود الجمال وإن تجلى لي في صفة جلال فإني مستهلك في وجود الجلال وذكر لفظة البعد في ما عبر عنه بالجلال لأن ذلك أعز في الناس لأن القليل من عرف جلال الله تعالى إذا الخلق كلهم أنما عرفوه من حيث جماله فلا يطيق لمعرفته من حيث الجلال إلا الخاصة من عباده.
وجه السماع فيه للمجذوب يقول أنا مع الشأن الإلهي بحسب ما يقتضيه الحق منى فإن كان الشأن يقتضى منى التحدي وخرق العادة كنت بحسبه وأن اقتضى السكون وعدم الظهور بإسبال رداء العبودية والبقاء على الأوصاف الخلقية كنت بحسبه فلا أفعل إلا ما اقتضيه الشأن الإلهي منى وإلى هذا المعنى أشار الإمام محيى الدين عبد القادر الكيلاني رضى الله عنه بقوله: (والله ما أكلت حتى قيل لي بحقي عليك ولا شربت حتى قيل لي أشرب بحقي عليك) يريد أنه لم يفعل شيئاً مما نسب إليه من خرق العادات إلا عن أمر إلهى وإلا لكان ذلك مشعراً بالنقص وحاشا مقامه الكريم عن ذلك فجعل الوميض عبارة عن الاقتضاء وجعل البرق كناية عن الشأن الإلهي وجعل نجدا عبارة عن الاستعداد بظهور الكرامات والتحدي بأعلى المقامات وجعل الغور كناية عن تنزله إلى مقام العبودية لأن الغور هو ما انخفض من الأرض.
وأهوى نسيم الريح هب يمانيا وإن هب من شام فإني على الود
وجه السماع للناسك فيه يقول وأهوى يعنى وأحب فعل الخيرات أن كانت مقصورة في الصلاة أو متعدية منى إلى غيرى كالصدقات والإفادات والإرشاد والهدايات فجعل قوله للهوى نسيم الريح هب يمانيا عبارة عن محبته لفعل الخيرات المقصورة به كالقيام والصيام وترك المنام وجعل قوله وأن هبب من شام يعنى نسيم الريح فأنى على الود عبارة عن محبته لما كان متعدياً إلى غيره من أعمال البر.
وجه السماع للسالك فيه يقول وأنا أحب ظهور الحق تعالى فأشهده حيث هب الريح فإن ظهر لي في قلبي من غير حلول ولا مزج شاهدته ووجدته وأن ظهر لي شهوده في العالم الأكبر من غير حلول ولا مزج ولا جهة شاهدته ووجدته فأنا مالي تعلق إلا به حيث ظهر لي كما قال من طريق الإشارة في أية: (سنريهم أياتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)
وجه السماع للمحب فيه يقول وأهوى نسيم الريح هب يمانيا يعنى وأحب ما يقضى به على من فعل الخير وأن هب من شام فإني على الود يعنى وأن قضى على بفعل الشر فأنى على الود لمراده وقضائه أبهم في قوله على الود ليكون رضائي في القضى لأمر المقضى به فهو يقول أنا راضى بقضائه على فإن قضى لي بخير فهو المطلوب وأنا أحب ذلك وأن قضى لي بشر فانا أحب قضاه ولو كنت أكره المقضى به لأمره.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول وأهوى نسيم الريح هب يمانيا يعنى وأحب ما غلب على في الوقت حكمة من الكينونة عند الله تعالى بواسطة تجلى ذاتي أو بواسطة تجلى رحماني فجعل هبوب الريح اليماني كناية عن التجلي الرحماني لقوله: (أنى لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين) وجعل قوله وأن هب من شام فإني على الود كناية عن تجلى ذاتي.
لأن سليمى لا تقيم ببلدة فريح الصبا والبرق ويحكونها عندي
وجه السماع للناسك فيه يقول أنى لأهوى المتعدي من فعل الخيرات وغير المتعدي لأن سليمى يعنى دار السلام وهى الجنة لا تقيم ببلدة يعنى لا تتقيد بعمل دون عمل بل جميع الأعمال سبب لها فلا ندرى ما المقبول وما المردود فينبغي فعل جميع أصناف أعمال البر ما استطاعه العبد لأن الجنة غير مقيدة بعمل دون غيره فريح الصبا والبرق يعنى بريح الصبا الأعمال المتعدية لأن الصبا تحمل نشر الرياحين من بلاد إلى غيرها ويعنى بالبرق الأعمال المقصورة التي لا تتعدى عاملها يحكونها عندي أي يقربون الجنة إلى ويقربوني إليها.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن محبتي لظهور الحق حيث ظهر في ذاتي أو في العالم من غير حلول ولا جهة ولا مزج أما هى لأن السلام تعالى له في كل زمان تجلى مخصوص فلأجل ذلك أنا أحب ظهوره حيث ظهر ولا أتقيد بمظهر دون غيره ولهذا قال فريح الصبا والبرق يحكونها أي يظهرون جمالها عندي أراد بالصبا تجليه في العالم وأراد بالبرق تجليه في نفسه.
وجه السماع للمحب فيه يقول واهوى حيث تكون أرادته بي من فعل الخير والشر فإن معرفته تعالى غير مقيدة بالطاعات فكما أنه موجود في الطاعة من غير حلول هو موجود كذلك في المعاصي فهو لا يتقيد كماله بجهة دون أخرى (وأينما تولوا فثم وجه الله) تعالى ولأجل هذا قال فريح الصبا والبرق يحكونها عندي يعنى لما كان هو موجود في كل شيء كانت الطاعة والمعصية سبباً لي إلى معرفته فكما أنى عرفته بواسطة الطاعة كذلك عرفته بواسطة المعصية لكن به تعالى لا بي.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول ما سبب عدم تقييدي بالتجلي الذاتي عن التجلي الرحماني إلا لأن السلام تعالى لا تتناهى معرفته فكلما تجلى على بتجلي ذاتي عرفته بصفات لم أكن أعرفه بها من قبل وكلما تجلى على بتجلي صفة عرفت ذاته بما لم أكن أعرفها به من قبل فتجلى صفته وتجلى ذاته يزيداني معرفة به وإلى ذلك الإشارة في قوله فريح الصبا والبرق يحكونها عندي.
وما كل أرض فيه سلمى مقيمة لذى سوى نعمان وإلا جرع الفرد
يقول وكل أرض حلت فيه المحبوبة هو نعمان وإلا جرع الفرد لدى لا غيره.
وجه السماع للناسك فيه يقول وما كل عمل من الأعمال التي تكون دار للسلام جزاؤها عندي إلا نعمان وإلا جرع الفرد يعنى إلا نعيم اتلذذ به على ما تجده النفس فيه من المشاق.
وجه السماع فيه للسالك يقول وكل شيء ظهر الحق تعالى فيه بغير حلول فهو نعمان وإلا جرع الفرد لدى يعنى هو عندي بمثابة وادى نعمان محل خطاب قوله (ألست بربكم) وإلا جرع الفرد يعنى الكثيب الذى يخرجون إليه أهل الجنة لزيارة الحق تعالى يقول حيث وجدته في أي مظهر كان فإن ذلك عندي وفى حقي بمنزلة التجلي في بطن نعمان والتجلي في الكثيب خارج الجنان أراد عن محل الخطاب ومحل الرؤية يقول أن ظهر لي شهوداً كان مجلى ومكاني بمنزلة الكثيب وإن نجيته وأجابني كان مجلى ومكاني بمنزلة وادى نعمان للمكالمة.
وجه السماع للمحب فيه يقول وما كل صفة يظهر لي الحق فيها إلا النعيم المطلوب والمقصد الذى لا مرمر--- من وراؤه فجعل نعمان عبارة عن النعيم المطلوب وجعل الا جرع الفرد عبارة عن محل لا مرمر ورآه وجعل الأرض في قوله وما كل أرض عبارة عن المظهر وأراد بسلمى أسمه السلام تعالى وأراد بالإقامة ظهوره في الاسم أو الصفة المتجلي بها.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول وما كل حالة يكون الأغلب على في الوقت حكمها للشأن الإلهي إلا وهو عين مقتضى الكمال والتحقق بالاتصاف الإلهي الجمال والجلال فجعل قوله وما كل أرض فيه سلمى مقيمة عبارة عن ما يكون الأغلب على الولي من حاله في وقته مما يقتضيه الشأن الإلهي وجعل قوله نعمان وإلا رجع الفرد عبارة عن مكانة الكمال والفردية التي هى الغوثية الكبرى يعنى أن الكمال أنما هو بكون العبد في سائر أحواله مع الشأن الإلهي من الظهور والبطون والتخلي والتحلي والتجلي والتداني والتدلي إلى غير ذلك من أنواع القرب فافهم.