القصيدة التاسعة في القرب والأسفار سبعة أبيات وهى:
غريب عن الأوطان بات مروعاً يكاد من الأشواق أن يتصدعا
وجه السماع للناسك فيه حمل الأوطان على أيام الطاعة المحضة وعدم المعاصي في زمان الصبى قبل خط القلم عليه أو أماكنها مثل مكة والمدينة أو غيرها من مواقع الطاعات يقول تغربت عن ذلك الوطن بالكبر لما جرى على القلم فبت مروعاً من حمل أثقال المعاصي فالقلب إلى الطاعات وإلى الخلوة من شؤم الذنب يكاد أن يتصدع شوقاً إلى ذلك العصر وذلك الموطن الذى كنت فيه مخلصاً من الآفات الدنية.
ووجه السماع للسالك فيه حمل الأوطان على المحل العلمي لأنه الوطن الأصلي الذى كنا فيه بغير حلول ونحن في هذا الدار غرباء لخروجنا من ذلك المحل المقدس إلى عالم التعيين فللسالك من الأشواق إلى ذلك المحل ما يكاد أن يتصدع منها وهذا الرجوع الثاني أنما هو بطريقة الفناء والسحق والمحق حتى لا يوجد للعبد أثراً له إلا في العلم الإلهي وأما في الظاهر فلا يكاد توجد له بقية يتميز بها في نفسه بحال بل كما قلت:
محانى الوجد حتى أن محيت وأفنانى غرامى فانتفيت
فلا أدرى فنائي من بقائي ومن أين البقاء وقد فنيت
فلا علم ولا خبر ولا عين ولا أثر لأنى قد فنيت عنى
ووجه السماع للمحب فيه حمل الأوطان على أماكن الوصال وباقي البيت ظاهر.
وجه السماع للمجذوب فيه حمل الأوطان على الأسماء والصفات لأن بروزه منها إذا العالم بما فيه بارز من الأسماء والصفات لأنه أثرها في الوجود وبالضرورة تكون الأثر صادرا من المؤثر فالأسماء والصفات بهذا الاعتبار وطن العالم ولهذا تقتضى الأسماء والصفات فناؤه فيبقى العالم في علم الله فيرجع إلى وطنه الأصلي والله تعالى يقول: (كما بدأكم تعودون) ولو كان لهذه الآية معنى أخر من وجه التفسير فهذا معناها عندي من وجه التأويل والإشارة وقد ورد مثل هذا كثير في الكتاب والسنة بفهم يفهم بالتتبع لمن كان فهم وتمييز منوط بالإيمان وإخلاص فمقصود المعنى من البيت للمجذوب يقول تغربت عن الوطن الأصلي الذى هو الأسماء والصفات وبت مروعاً إي مفجعاً بالعين يعنى هى كثائف الحجب المشعرة بالعبد عن الجناب الإلهي أكاد من الأشواق أن أتصدعا يعنى أكاد أن أنعدم عند ظهور كل حقيقة إلهية في تجلى من التجليات فأنسى من أنا وأثر حقيقة إلهية هى في ذاتي وخلاصة هذا النصف يعنى لما تكاثفت الحجب على هذا المجذوب غفل عن حقيقة ذاته يكاد إذا برزت عليه الحقائق الإلهية أن يفنى وينعدم لأن المخلوق لا يستطيع أن يبقى عند ظهور الخالق سبحانه فلفظة يكاد هنا توهم بأنه لا ينعدم وذلك صحيح لبقاء الجسد ورسومه في العالم الجثماني ولو كان المتجلي عليه لا يشعر بالجسد ولا بالروح فأتى بلفظة يكاد احترازاً من ادعاء العدم المحض الصرف من كل وجه ولا يكون ذلك اللهم إلا من وجه دون وجه لأن الحق تعالى إذا تجلى على العبد أفناه عن مخلوقيته وأنيته فلا يشعر العبد بنفسه وتبقى رسومه وجسومه في الخارج على سبيل غيره لستر الأحباب بين غيرهم من أهل الحجاب هذا وجه تأويل لهذا البيت ويحتمل أن يكون الوجد في سماع هذا البيت للمجذوب حمل الوطن على مقام العبودية لأن التجليات الإلهية إذا سطعت بأنوارها على قلب العبد عطلته عن العبودية لأنه يصير إذ ذاك مسلوب القوة والقدرة والفعل والإرادة بل مسلوب الصفات والذات فيقول بلسان الشوق إلى عبارة الحق المفروضة على لسان نبيه كالمعتذر أنى غريب عن الأوطان يعنى عن بعيد عن مقام العبودية بت مروعا يعنى مفجعاً هالكاً تحت سطوات سطعات أنوار التجليات الجلالية أكاد من الأشواق إلى عبادة الحق التي فرضها على لسان نبيه أن أتصدع وأهلك لأن الأمر القطعي وارد على بأفعال تلك العبادة والإرادة الإلهية قضت على بخلاف ما أمرني الحق به فاشتاق إلى أداء الأوامر ولا قدرة لي على ذلك لأنى مسلوب الحول والقدرة والطاقة والإرادة فأكاد أن أتصدع إذا وقفت على تضاد اقتضاء الأمر والإرادة الإلهية وفى هذا المقام يقول الأمام سهل بن عبد الله التستري رضى الله عنه: (ما ثم إلا السكون ولا وجه للقرار) وفى رواية: (ما ثم إلى التسليم ولا وجه للقرار) يعنى أن المأخوذ عن الأعمال المجذوب إلى حضرة المتعال لا سبيل له إلا على التسليم أو السكون على مراد الله تعالى ومع هذا فلا وجه له على القرار بل يتبقى له أن معقوله ومطلوبه حيث أمكنه عبادة الحق ولو بالأمل والتمني ولعمرى قول الأمام فيمن فيه بقية للتعويل والطلب وأما من أخذ بكليته حتى انقطع عنه طلبه وتعويله وأرادته وجميع ما ينسب إليه فلا يقدر على هذا ولا على التسليم بل هو في أمره بالضرورة ومثل هذا يسقط عنه التكليف شرعاً لأن التكليف لا يكون إلا على العاقل وهذا أول ما يسلب عنه في مقام فناء الصفات عقله وعلمه فهو عنده لا هو وهذا بلا خلاف جنون في الشرع لأن العقل المعاشي لو كان قائماً كان صاحبه يقول أنه لا هو ولا كان يقول أنه فانً ومعدوم وهو محسوس الوجود فلهذا قلنا أن الشرع أيضاً يسقط التكليف عن مثل هذا وقس باقي الأبيات في هذا المنوال فإنا لا نتكلم عليها إلا على تأويل الوجه الأول لأنه ربما يكون أقرب من هذا الوجه وأوضح وللتأويلات وجوه سائغة كثيرة فإذا انفتح لك الباب فادخل من حيث شئت.
تنات به الموج الركاب عن الحمى فإن لان القلب فيه توجعاً
يعنى بعدت به الأجمال الهائجة عن الحى فإن أنينا لأن القلب متوجع الفراق
وجه السماع للناسك فيه حمل الأجمال على السنين التي ترحل بالفتى عن أماكن الطاعة وعن أزمانها كأيام الصبى الذى يكون فيه مخلصاً عن الذنب أو أيام الشبوبة التي يقتدر فيها على أفعال العبادات فإذا صار شيخاً انقطع عن ذلك فالحمى مؤول له على أيام الطاعة وأماكنها وباقي البيت على ظاهره.
وجه السماع للسالك فيه حمل الموج الركاب على الأطوار والاكوار التي نزل عليها عن العلم الإلهي إلى دار الدنيا والحمى يؤوله بالموطن العلمي.
ووجه السماع فيه للمحب حمل الموج الركاب على أرادة الحبيب وحمل الحمى على محصل الرؤية والمشاهدة والمخاطبة الحاصل في يوم (الست بربكم) يقول تقتلني الإرادة الإلهية من مجلى الوصال والقرب الإلهي المنزه عن الانفصال والاتصال والجهة حتى نزلت إلى دار الحجاب ومقام التكليف فلى أنين وبالقلب أوجاع يعنى أمراض الحجب والغفلة.
ووجه السماع للمجذوب فيه حمل الهوج الركاب على الأسماء الإلهية والصفات الربانية وحمل الحمى على الذات المقدسة وحمل الأنين على الآثار وحمل التوجع على ما يحصل من سطوات الجلال في القلوب يقول نقلتني المقتضيات الأسمائية والصفاتية والعندية الذاتية التي هى لحقيقتي من حقيقة الحقائق حتى تغيب في هذا الوجود بالمراتب الخلقية فظهرت بذلك أثار الشؤون الحقية في العالم فلأجل ذلك إذا سطعت أنوار التجليات الإلهية على القلب تتلقى (تتلو) (....) وتحرقه لتلبثه بالأخلاق الخلقية فإن البشرية صارت لازمة لقلبي ولو كنت متصفاً بالأوصاف الإلهية.
رمته يد الأيام بالصد والقلى فسار ولم يمكنه ان يتودعاً
وجه السماع للناسك فيه أن يسمع هذا البيت مؤولاً للصد والقلى بالكسل والغفلة عن الطاعات يقول أن يد الأيام يعنى فعل السنين ويعتبر أنها بأمر الله رمتني بأنواع الصد والقلى يعنى الغفلة والكسل والعجز فسار يعنى فرحلت عن مقام العبادة ومكانها إلى مقام الغفلة والمعصية ومكانهما فلو علمت أنى لا أدوم على تلك الحالة لكنت أتودع يعنى أكثر فعل الخير في تلك الأيام الكريمة أو في تلك الأماكن الشريفة لكنه لم يمكنني لأنى ما علمت.
وجه السماع للسالك فيه حمل يد الأيام على العلائق والقواطع والعوائق والموانع لأن الزمان يتصرف بها في السالكين ويريد بالزمان الفاعل الحقيقي فكأن هذه الأشياء هى يد الدهر وحمل الصد والقلى على موافقة النفس وترك المجاهدات والرياضات بقول دخلت على العوائق والعلائق بالقواطع والموانع حتى نقلتني عن حال المجاهدات والرياضات والمخالفات إلى طلب الراحة وموافقة النفس فسرى يعنى فرحلت عن ذلك المقام ونزلت عنه وأتى بلفظة السرى لأنه من لوازم الليل أشعاراًً بأنه مشى في الظلمة الطبيعية بموافقة النفس البشرية ولم يمكنه أن يتودع من مقام السلوك يعنى ولم يمكنه في تلك الأيام أن يصفى أخلاق النفس حتى تطمئن ويسكن على التوجه إلى الله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه يقول أنزلتني المقادير الإلهية من مقام (الست بربكم) فرمتني بالصد والقلى كنا بهما عن الحجب هى الحجب الظلمانية وهى المخلوقات والحجب النورانية وهى الأسماء والصفات فإنا خلف هذا النوعين في الحجب عن ذلك المقام اللإلى.
ووجه السماع للمجذوب فيه حمل الأيام على تجليات الله تعالى وهى أيام الله المكنى عنها بالشؤون الذاتية وحمل الصد والقلى على ذهاب حكم الأرواح والجسوم وفناء جميع المآثر والرسوم الذى هو حقيقة السحق والمحق والمحو والطمس والانعدام الكلى وحمل السير على الذهاب في الله يقول ما زالت تنقلني التجليات الإلهية المكنى عنها بيد الأيام يعنى تنقلني من رؤيتي لمخلوقيتى إلى رؤيتي لكمال الله سبحانه وتعالى فقليت نفسى وصددتها يعنى فنيت عنى فالمحقت وانمحيت وانسحقت حتى ما بقى لي مرجع إلى شهود الخلقية بوجه من الوجوه فسرت في الله واتى بلفظة السير المقرون بلازمي الذى هو الليل منها على الذهاب في التجليات الجلالية لأن الطريق إليها ظلمة لا يتوصل فيه كل أحد فلهذا قال فسار ولم يمكنه أن يتودعا يعنى جذب إلى الحق فذهب فيه بسرعة ولم يتوقف.
له كل يوم منزل متجدد وتشتيت شمل لا يكاد تجمعا
وجه السماع للناسك فيه يقول كم أتوب وأنقض وأعاهد وانكث فلى في كل يوم منزل متجدد يعنى يوم طاعة ويوم معصية وهذا الأمر يدل على تشتيت أيام العمر فلا تكاد أن تحصل لي فيه جمعية بالطاعة.
ووجه السماع للسالك فيه حمل معنى نصف البيت على مقام التلوين في السلوك فهو في محاربة النفس يغلبها تارة وتغلبه أخرى فهو لعجزه متردد في هذا المقام والنصف الثاني إشارة إلى أن هذا حال التفرقة فلا يكاد أن تحصل الجمعية في مقام الذكر والأنس بالله تعالى فهو متأسف لبقائه في هذا الحال.
ووجه السماع للمحب فيه يقول لما ابر زنى الحق من علمه وأنزلني عن مقام خطاب (ألست بربكم) صار لي في كل يوم منزل متجدد ابعد فيه عن ذلك الجمال فنزول إلى العلم الأعلى ونزول على اللوح المحفوظ نزول على الأفلاك ونزول على الطبائع ونزول على المعارف ونزول على النباتات ونزول في الأصلاب ونزول في الأرحام ونزول في مقام الطفولية ونزول في مقام الصبى ونزول في مقام الشيبة ونزول في مقام الكهولة ونزول في مقام الشيخوخة وستكون له بعد ذلك منازل كثيرة منزل في البرزخ ومنزل في الحافرة ومنزل في أرض السامرة ومنزل في القيامة عند الحساب ومنزل في الجنة أو في النار ومنزل في الكثيب ولا يدرى ما يصنع الله به بعد ذلك فهو يقول كلما نزلت منزلاً بعدت عن الحبيب فلى بذلك تشتيت شمل لا يكاد أن يتجمع فهو متأسف لفقد الحبيب والرحيل عنه.
ووجه السماع للمجذوب فيه حمل الأيام على التجليات الإلهية وحمل المنزل على المقام والاتصاف المنسوب إلى العبد يقول فلى في كل تجلى إلهى مقام غير المقام الأول واتصاف مخصوص مشتق من أثر ذلك وتشتيت شمل لصفات النفس لمحو أثارها حتى لا يكاد يتجمع.
تمزقه بالناييات يد النوى وتبلى فؤاداً للبعاد تقطعاً
وجه السماع للناسك فيه يقول أن العبد إذا فارق مقام الطاعة ومكانها تمزقه يد صروف النابيات يعنى تذهب عنه تلك الأعمال شيئاً فشيئاً حتى ينتهى إلى أن يبقى فارغاً بلا عمل ولا تقوى ولا ورع فيذهب والعياذ بالله في الذاهبين ورجع إلى أسفل السافلين.
ووجه السماع للسالك فيه يقول أن التلوين في مقام السلوك أمر خطر فلابد للعبد أن يمزق نفسه بقوة السلوك والمخالفات حتى تحصل الاستقامة وتطمئن نفس وتتزكى فلابد له من ذلك التقطيع والتمزيق حتى يسكن إلى الله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه حمل الناييات على نتائج البعد وحمل النوى على أيام المهلة في الدنيا فإن العبد كلما زاد في الدنيا توغلاً تكاثفت عليه الحجب وأنتج له ذلك البعد عن الله تعالى والآخرة بخلاف ذلك لأنها دار القرب من الله تعالى والجوار منه وهو محل المشاهدة فإن العبد إذا انتقل إلى تلك الدار وكان مخفاً من حمل الأوزار كان أرجا في حقه وأسلم من طولب البقاء في هذه الدنيا وزبده هذا الكلام أنه يقول أن أيام المهلة في الدنيا تزيد الفتى بعداً عن الله فتمزقه بالناييات يعنى بالحوادث التي تحدث على القلوب من الأمراض المانعة عن الكشف في هذه الدار فتبلى أي فتفنى فؤاداً قد تقطع للبعاد يعنى فتفنى تلك البقية التي هى سبب الوصلة إلى الله تعالى في القلب فتهلك المحب بسبب ذلك يريد أن الأسلم للمريد أن ينتقل إلى الله تعالى في أيام قوة أرادته ليلقى الله تعالى في تلك الدار فان المرء مع من أحب لأنه لا يعلم ماذا يحدث عليه بمرور الأيام فيخاف من حدوث الارتداد عليه لأن القضى مجهول فلا يؤمن رجوعه ولقد رأينا جماعة من المريدين دخلت عليهم الدواخل فانقطعوا عن الله تعالى ورجعوا إلى نفوسهم فلو ماتوا على تلك الحالة الأولى كان أرجا في حقهم نعوذ بالله من الجور بعد الكور.
وجه السماع للمجذوب فيه حمل التمزيق على الفناء والمحو والسحق والمحق والانعدام وحمل النوى على التجليات النائية البعيدة عن القلوب وهى تجليات الجلال والكمال وحمل النايبات على سطوات تلك التجليات في قلوب من تجب عليه يقول مزقتني وأفتنتني تلك التجليات --- المرقى بسطواتها حتى فنى وجودي بالكلية وذهب وآثاري البقية وإلى ذلك أشار بقوله وتبلى فؤادا للبعاد تقطعاً
احيبا بنا مهلاً فقد شمت العدى بصب مضى نحباً وما نال مطمعاً
والعبادات على الإطلاق بلفظة قوله أحيبابتا مهلا يقول لهم يا أهل السبق في ميدان الأعمال مهلا يعنى قفوا لضعيفكم واشفعوا له ليلحق لكم فقد شمت العدى به وتصغير أحبا بنا لا للتحقير بل لأنه أعذب وقد قال بن الفارض رضى الله عنه:
ما قلت حببتى من التحقير بل لعذب أسم الشخص بالتصغير
وجه السماع للسالك فيه مخاطبة أرواح مشايخه وإن كان شيخه حاضر خاطب حقيقته بنداء احيبا بنا أو خاطب روح النبي صلى الله عليه وسلم يقول مهلا أي رويداً يا أهل الله لا تبخوا عنى فتتركوني ونفسى وشيطانى وأنا لا أقدر على دفعها ولا أشعر بمكائدهما فترفقوا بي وسايروني في مقامات السلوك وساعدوني على قمعها وانصرونى عليهما فطالما انتصروا على ففعلوا بي ما أرادوا وإلى حقيقة النفس والشيطان أشار بقوله فقد شمت العدى لقوله عليه السلام: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) ويقول الله تعالى: (أن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً) ويريد بقوله بصب يعنى محب قضى نحبا أي مات في ظلمة الشهوات الإنسانية والخواطر النفسانية والشيطانية.
ووجه السماع للمحب فيه مخاطبة محبوبه الحق تعالى بلفظة احيبا بنا على صيغة الجمع للتعظيم وليس التصغير والتحقير في أحيبا بنا بطا (....) عن في التنزيه لأن المراد غير الصغير والتحقير يقول مخاطباً له سبحانه مهلاً يا حبيبي وقرة عيني وأنيسي وسيدى و (....) يعنى رفاق بمحبك وفقيرك الذى ليس له غيرك ولا (....) ولا يميل إلى قا دونك ولا يحسن في عين بصر (....) التي احتجبت بها عنه فيا حبيب القلوب تعطف وأمنن عليه بكشف الحجاب وافتح له زورته من هذا الباب وأرحمه فقد شمت العدى به ويعنى بالعدى العقل لأنه عدو العشق ولأجل هذا لا يمكن الجمع بين كمال العشق وكمال العقل بل قال بعض العارفين هما ضدان لا يجتمعان.
ووجه السماع للمجذوب فيه مخاطبة تجليات حقائق الأسماء والصفات بلفظة احيبا بنا مهلا أي رفقا بهذا القلب الذى مزقته هذه التجليات الجلالية والجمالية فهلك وفنى وذاب وما نال مطمعاً يعنى ولا أدرك غاية لهذه الكمالات الإلهية فقد شمت العدى به يعنى فقد ظهرت عليه صفات العجز --- به ليبقى مع التجليات الذاتية فإنه لا يشفيه سواها فإن تجليات الذات ما وراءها من فهى شفاء الداء العضال الذى تقطعت بسببه أكباد الأولياء من أهل الكمال.
فلا كان أيام النوى ما أمرها واحلى زمانا بالتواصل أز معا
أز مع يعنى رحل وانقضى
وجه السماع للناسك فيه يقول إلا كانت أيام المعاصي التي هى سبب البعد عن الله تعالى ما أمر طعمها وأخوف عاقبتها إذ هى سبب دخول النار وما أحلى زمان الطاعة والعبادة وما أعذب شربها منهلاً سائغاً أذ هو سبب الوصلة بين الله وعبده وتحيتها دخول الجنة.
ووجه السماع للسالك فيه يقول إلا كانت ثابتة أيام المكث في هذه الدار التي هى محل البعد عن الله لاشتغالنا بأجسامنا وأنفسنا إذ لابد لمن يكون في هذه الدار ممن له عقل أن يشتغل عن الله تعالى بنوع من أنواع المخلوقات لها بنفسه أو بغيره فيحصل في الحجاب لأن هذه الدار بالخاصية تحجب الداخل فيها عن الله تعالى فما أمر هذه الأيام على قلب العبد وما أحلى زمانا تقضى واز مع بالتواصل يشير إلى كينونته عند الله تعالى بالنور في يوم (ألست بربكم) وقبله في العلم الإلهي يعنى ما احلى تلك الحالة وأحسن ما مضرة منها فإن الأرواح تحن إلى تذكارها لأنها شرح الخاطر وتنير الناظر.
ووجه السماع للمحب فيه يقول محق الله أيام البعد يعنى أوقات الحجاب والغفلة أفناها الله تعالى بقربه والكشف عن جماله فما أمر طعم الفراق على قلب المحب المنتظر للوصال وما أحلى القرب والكشف عن ذلك الجمال للعاشق المضطر إلى ذلك الحال.
ووجه السماع للمجذوب فيه هو أن تعلم أنت أو لا أن لله تعالى تجليات كثيرة من تجلياته ما يحجب العارف عما سواها بالضرورة ومن تجلياته ما لا يحجبه عما سواها بل إذا قوى فيها كشف له عن كثير من التجليات فتلك التجليات التي تحجب العارف عما سواها هى التي يشير إليها المجذوب بأيام النوى لأن الأيام هى التجليات كما سبق بيانه في ما مضى فهو يقول لا كانت متواترة تلك التجليات التي تحجبني عن ذات الله بل أحب زمناها بالتواصل أز مع يعنى وأحلى التجليات الكمالية التي تكشف للعارف حقائق الأشياء كما هى فيكون بذات الله تعالى يثنى عليه بما أثنى سبحانه وتعالى به على ذاته الكريمة ويعرف الأشياء بمعرفة الله تعالى ويتصرف في العالم بقدرته سبحانه وتعالى لتمكين الحق له في الوجود.