القصيدة العاشرة خمرية خمسة أبيات وهى:
أدر المدامة في الكؤوس مداماً وأشرب معتقة لها أعواما
وجه السماع للناسك فيه يقول لنفسه اشرب خمر اللذة بالطاعات دائما واجعل اورادك دائرة في اليوم والليلة متصلة غير منقطعة فيؤول المدامة المذكورة أولا بالأوراد ويؤول الكؤوس بساعات اليوم والليلة ويؤول المعتقة باللذة التي تحصل للعباد في جمع الخاطر عند العبادة لأن العتيق من الشراب الذ سكراً من اتحد به واقوى فعلاً ويؤوله الناسك في العبادة بجمع الخاطر وسكون القلب أقوى وأبلغ.
ووجه السماع للسالك فيه حمل المدامة على ذكر الله تعالى فإنه راح القلوب وريحانة النفوس وحمل الكؤوس على اللسان القلب والروح والسر فإن هذه الأشياء محل ذكر الحق تعالى لأن المبتدئ لا يزال يذكر باللسان حتى يطمئن قلبه على الذكر فيذكره بالقلب دائماً ولو سكت اللسان فهو ذاكر بالقلب فلا يراك كذلك حتى يتطبع الروح بالذكر فيسرى ذكر الله في هيكله إلى جميع مجارى الروح فيذكره العبد بروحه وتخشع لذلك جميع جوارحه فلا يراك كذلك حنى يذكره بالسر فيفنى عن الذكر في المذكور تعالى فإذا عرفت مراتب أهل الذكر ومحاله فأعلم أن السالك يقول في تأويل هذا البيت أدر المدامة أي أجعلها أمرا دورياً متصلاً غير منقطع يعنى دوام على ذكر الله تعالى في مجال الذكر بالخاء المهملة وهى التي سبق ذكرها حتى تفنى عن حدتك فيسقيك الحق من الشراب الطهور الذى يكنى به للسالك عن خمر القرب إلى الله تعالى واليها الإشارة بقوله واشرب معتقة لها أعواما أي قديمة المحتد.
ووجه السماع للمحب فيه حمل المدامة على العشق وحمل الكؤوس على حالات العاشقين من الهيام والبكاء والانخلاع والاطراح والسياحة والأنين والحنين والفناء وأمثال ذلك من لوازم العشق وحمل شرب المعتقة على السكر بلذة ترك الإرادة في إرادة المحبوب والتلذذ --- كالتلذذ بنعمائه يقول لازم محبة الله تعالى والتعشق بجماله الانزه على حالات الوفاء من الاطراح والهيام والأشياء المذكورة أنفا واترك مع ذلك مرادك لمراد الحبيب فلا تطلب مع هذا كله وصلاً ولا تفر من الهجر بل تقطع أرباباً لما يريده المحبوب وعد بلاء الهجران نعمة لأن المحبوب أرادك لها وذكرك بها فلا تنفر من بلائه بل لا ترى بلاء إلا نعماء وآلاءً فإن أوصلك كان ذلك بفضله وأن قطعك كان ذلك أيضاً بفضله فكلما بفعل المحبوب محبوب.
ووجه السماع للمجذوب فيه حمل المدامة على التجليات وحمل الكؤوس على الأسماء والصفات وحمل المعتقة على تجلى الذات يقول تمتع بدوراى تجليات الأسماء والصفات عليك وكن مع التجلي الذاتي الجامع لسائر التجليات الإلهية ذلك هو المشرب الأسمى والمقصد الأسنى يؤتيه الله من يشاء من عباده الأولياء.
صرف كلون النار يعبدها الفتى متنجساً منتصراً برهاما
برهاما يعنى من البراهمة طائفة من علماء الكفرة ينتسبون إلى نسل إبراهيم.
وجه السماع للناسك فيه حمل الصرف على الإخلاص في العبودية لله تعالى وجعل الإخلاص في العبودية كلون النار يعنى صعب لا يقدر عليه كل أحد فهو مثل النار لقوله عليه السلام: (يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر) وأراد بقوله يعبدها الفتى يعنى يعبد الذات الإلهية ويخلص في عبادته ولا يبالى بقول الناس أن زندقوه أو مجسوه أو نصروه أو برهموه يعنى ودع يقول الناس ما قالوا فيك وقد قال بعضهم:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذى بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
وجه السماع للسالك فيه حمل الصرف على المخالفات للنفوس وجعلها كلون النار لصعوبة ذلك على السالكين وقد رأى بعض الفقراء الشيخ معروفاً الكرخى رضى الله عنه هو جالس في وسط النار فذكر هذا الأمر لشيخه فقال له هذا دليل على أنه كان في مقام من السلوك هو بمثابة النار لا يستطيع غيره أن يستقر فيه وقوله يعبدها الفتى متمجساً منتصراً برهاماً محمول على أن التمجس هو لرفع المخالفة والمداومة عليها لأن النار لما كانت بالتأويل مضروبة المثل عن المخالفة كان التمجس هو دوام إتيان ذلك الفعل لرعاية المناسبة وقوله متنصراً محمول على الاستنصار لله على النفس فينصر الحق على نفسه ويترك بطلانها إتباع الحق وقوله برهاما يعنى متبعاً هدى إبراهيم خليل الله تعالى أي على ملته قال الله: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) فخلاصة هذا التأويل يقول لا ترفع قدماً ولا تضع أخرى إلا في مخالفة النفس لتكون أفعالك كلها صرف المخالفة عسى تحصل لك الاستقامة على طريق الله تعالى واستنصر للحق على نفسك مستعيناً بالله تابعاً لملة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.
ووجه السماع للمحب فيه يقول عليك بصرف محبة الله تعالى وإيثاره على كل ما سواه فلا تمزج بذلك محبة الدنيا ولا الأخرى ولا الجنة ولا لنعيمها بل دع جميع ذلك وانف سائر العلائق من بين يديك بالزهد في جميع ما سوى الله تعالى ولا تشتغل لا بنفسك ولا بأعمالها بل يكون اشتغالك بالله صرفاً غير ممزوج باستعمال شيء أخر فتكون أرادتك له لكونه أهلا لذلك لا من أجل أن يكشف لك عن جماله فإن في هذا المقصد دسيسة نفسانية فنزه أرادتك عن سائر العلل ولا تجعل لك بعد هذا أرادة في الأشياء لئلا تكون معترضاً ولتكن محبتك لله خالصة محضة فتحبه وتحب ما يريده لإرادته فتكون عبداً غير معترض على الله بما يقضى عليك حتى لو قضى عليك مثلاً بالتمجس والتنصر والتبرهم كنت في ذلك مسلماً لقضاء الله راضياً بمراده ولا ترض أيضاً بالكفر لأنه أمرك أن لا ترضى بالكفر والتنصر فيكون أمرك في ما يقضى به عليك أن ترضى بقضائه وتسلم لأمره وتحب مراده ومع هذا فلا يرضى بما لا ترضاه مما يقضى به عليك فإنه يقضى بالكفر ولا يرضى به وهذا من علامات المحبة لأن المحب لا تبقى له أرادة سوى أرادة محبوبه ولهذا قال بعض العارفين: (أن الإرادة نار تحرق ما سوى المحبوب) ومن ثم أشار إليها في البيت بقوله صرف كلون النار يعنى من جهة إحراق ما سوى المحبوب.
ووجه السماع للمجذوب فيه حمل قوله صرفاً على التجليات الذاتية الصرفة التي هى من وراء الأسماء والصفات يعنى اجعل تعلقك بها ولا نقنع بدونها وحمل قوله كلون النار يعنى إنها تفنى الأسماء والصفات لأن من التجليات الذاتية ما لا يظهر للأسماء والصفات فيه أثر كالأحدية وما فوقها مما يعلمه الله تعالى وقوله يعبدها الفتى متمجسا متنصرا برهاما يعنى يفنى فيها العبد ويهلك وينعدم بالسحق والمحق فيها لأن المجوس تلقى بأنفسها في النار حتى تحترق وتنعدم فمن لم يلق بنفسه وهو حي يلقى به بعد أن يتوفى والمقبول والسعيد عندهم من ألقى بنفسه وهو في الحياة وقوله متنصرا يشير إلى المشهد العيسوي وبرهاما يشير إلى المشهد الإبراهيمي من هذا المنظر العلى والمجلى السنى وصلاحية هذا الكلام يقول تعلق بالتجلي الذاتي المعدم لك ولأسمائك وصفاتك بل الذى لا يظهر فيه لغيره من التجليات الإلهية اثر فإن ذلك مشهد عيسى وإبراهيم لأنهما أحييا الموتى يأذن الله تعالى وأحياء الميت صفة لله تعالى ذاتية اتصفوا بها لحصول التجلي الذاتي لهم بإذن الله تعالى.
حلت على دين المسيح لشارب داوى الخمار بخمرها أياما
وجه السماع للناسك فيه يقول استعمل الإخلاص والصدق في عبادة الله تعالى فإن ذلك ولو كان صعباً على النفوس هو سهل على من استقام على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فما صعوبته على النفس إلا أياماً قليلة فإذا جعلت الاستقامة سهل ذلك فحمل قوله حلت أي طابت وصارت حلاً لا بعد أن كانت صعبة يعنى العبودية بمحض الإخلاص سهلت لشارب أي لعابد داوى الخمار بخمراها أياما أي عالج خمار النفس الذى هو الكسل والملل والفعل للرياء وللسمعة وامتثال ذلك بخمرها إي باستعمال الإخلاص والنهوض للطاعة أياماً حتى صارت له عادة فحلت له أي سهلت دين المسيح يعنى على من هو على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل المسيح كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن المسيح أنما سمى مسيحاً لكونه سافر في أقطار الأرض فمسحها بالعلم والإحاطة على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ونبينا صلى الله عليه وسلم سافر في أقطار الملك والملكوت فمسحهاً علماً وإحاطة فهو المسيح الأعظم.
ووجه السماع للسالك فيه يقول حلت خمور اللذة بالقرب إلى الله تعالى لشارب من تلك الخمور بعد أن جاهد نفسه بالرياضات والخالفات وارتكاب المهالك حتى أطمأنت وسكنت إلى توحيد الله تعالى فانتفى عنها الخواطر وبقى العبد لا يخطر به في العمر كله شيء سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته فاستغرق في بحار الجمع وهلك عن التفرقة فلا تفرقة عليه بعدها لأن النفس مطمئنة ساكنة بخلاف نوع من المجذوبين لا كلهم وهم الذين جذبوا ونفوسهم غير مطمئنة ولا مزكاة فلما رجعوا إلى ذواتهم ثار عليهم نيران النفوس لعدم الترك والتطهر فدخلت التفرقة عليهم فهؤلاء أن قدر لهم بالسلوك كانوا من الرجال الكمل وإلا فهم في معرض الخطر لأن نار النفس إذا ثارت على العارف أحرقت معارفه فينخسئ عليه أن يستعمل ما يوافق النفس بيد المعرفة فيسقط عن أعمال البر والعياذ بالله من ذلك بخلاف من جذب بعد السلوك التام فإنه في أمان من هذا المعنى ولأجل هذا أشار إليه بقوله حلت يعنى أن ذلك للسكون على الله بجمعية منزهة عن التفرقة كالحرام على غيره.
ووجه السماع للمحب فيه يقول حلت خمور محبة الله تعالى لمن صرف أيام العمر كله في محبته وخلع الأعذار في ذلك بالأطراح الكلى من كل وجه فاشتغل لمحبوبه تعالى عما سواه فول اختلجت نملة لشاهد في اختلاجها معنى من معانى كمالات الحق تعالى فهو مشتغل بالله عما سواه مأخوذ عن نفسه وعن جميع أعماله ولهذا كان بعض السلف رضوان الله عليهم أجمعين إذا دخل الصلاة يجعل له من يعد الركعات من أجله لاشتغاله بالله عن العمل واستغراقه في محبة الله عما سواه وقد روى عن مجنون ليلى أن ليلى راءته مرة فلم يعرفها فحدثته فقال لها دعينى فأنى مشغول عنك بليلى وذلك أن العشق إذا بلغ حده أخذ العشاق لمجامعيه عن الوجود كله إلى معشوقه فتعشق الروح بصورة المحبوب فيتحدث مع تلك الصور الروحانية ويجعل له منها الجواب على قدر مقتضى الحال فهو لا يفارق محبوبه أبداً وكذلك في الجناب الإلهي فإن المريد إذا قويت محبته تعشقت روحه بالحضرة الإلهية فتتصور عنده الكمالات الإلهية على ما ينبغي لله من التنزيه المنزه عن التصور والتجسيم فيؤخذ أما في الأحدية والواحدية أو العظمة أو القدرة أو الإرادة أو في المجموع فيكون تارة وتارة ولا يزال بترقي في تعلقه وحضوره إلى أن يكشف الله تعالى له حقيقة الكشف عن التجليات الذاتية كما جرت سنته تعالى لأوليائه وخاصة عباده وأصفيائه فقوله حلت يعنى خمرة اللذة بهذه المحبة الإلهية لأنها كالحرام على من لم يكن على دين المسيح شاربا منها يعنى أن المسيح وعلى نبينا عليه السلام لم يولد إلا مفطوراً على محبة الله تعالى لقوله في المهد: (أنى عبد الله) ولم يزل كذلك إلى أن رفعه الله حتى قال تعالى في حقه: (لم يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله) فالسالك يريد بهذا الإتباع أن يكون المحب مجبولاً على محبة الله تعالى من أول قدم ينتبه لذلك بعد أن يتوب إلى الله فلا يرجع عن محبته ولا يلتفت إلى الكونين احتقاراً لهما في جنب عظمة محبوبه فيصرف ما بقى من أيام العمر كله في محبته الله تعالى وإلى هذا أشار بقوله داوى الخمار بخمارها أياما يعنى داوى خمار البعد بخمر المحبة أيام العمر.
ووجه السماع للمجذوب فيه يقول حلت يعنى كشف عن الصفة الذاتية التي عبر عنها في البيت الأول أنها لا يظهر فيها أثر للأسماء والصفات فحليت هنا بمعنى أبيح التمتع بها على دين المسيح أي على عادة النبي صلعم مع الله تعالى يعنى لمن كان ملحقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من أتباعه الكمل الذين هم على قلبه في المقام المحمدي وإلى تلك أشار بقوله لشارب داوى الخمار بخمارها اياما يعنى لمن اغترف من بحار الأحدية بعد مداواة خمار السكر من شرب خمر التمتع بالنظر إلى الصفات النفسانية والأسماء الأفعالية أياما يعنى تجليات كثيرة حتى تمكن وتقوى للكشف عن هذا التجلي الذاتي الذى لا يكون إلا لمن كان على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
راح تريح بروحها روحاً على أرواحنا حتى نروح هياماً
راح يعنى سلاف تكسب أرواحنا روح راحة طبيعية حتى تهيم سكراً
وجه السماع للناسك فيه يقول أن للإخلاص في العبودية روحاً بفتح الراء تحصل بها الراحة لقلوبنا حتى نهيم سكراً يعنى تغفل عن حواسنا باللذة الحاصلة لنا في خلوص القصد عند العبادة لله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه حمل الراح على لقاء الله تعالى والوصل إلى حضرة القرب لأن ذلك هو الراحة الكبرى وإليها أشار بقوله تريح بروحها أي تكسب الراحة بروحها يعني بنفسها فتمدنا بروح القدس روحاً على أرواحنا المدبرة لأجسامنا فتفنى أرواحنا عنا ونفنى عنها فنؤخذ بالكلية وهو المراد بقوله حتى نروح هياما.
وجه السماع للمحب فيه حمل الراح على العشق لأن العشق إذا استولى على العقل أزاله والراح كذلك مزيل للعقل ولهذا سمى الخمر خمراً لأنه يخامر العقل فيزيله يقول أن العشق يكسب أرواحنا تهتكاً وانخلاعاً نهيم بسببه في أقطار الوجود وعز في راحة من عدم الالتفات إلى الكونين فحمل الراح على العشق وحمل الروح الأولى بفتح الراء على لوازم العشق من الأمور الخارقة لعادة الشخص كالانخلاع والأطراح والتهتك والبكاء والأنين والحنين وأمثال ذلك فيتم بذلك للعاشق قوة عشقية يستحضر بها جمال المحبوب في ذهنه صورة روحانية فيتعشق بها الروح فيهيم العاشق عن إحساسه بها وتلك الصورة هى المراد بها في قوله روحا برفع الراء وقد سبق ذكرها في البيت المقدم في قضية المحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه تأويله للراح بالتجلي الذاتي الصرف المقدم ذكره في البيت الأول يقول أن التجلي الذاتي الصرف يكسب أرواح العارفين قوة إلهية يتحققوا بواسطتها من التمكن بالاتصاف بحقائق الأسماء والصفات فينمحق أثار البشرية عنهم بالكلية لظهور الآثار الإلهية عليهم وإلى ذلك أشار بقوله حتى نروح هياماً أي نذهب عن لوازم الكون بالكلية فيتلوا لسان حالنا:
وأشرق شمس الحق في فلك الحشا فذاتي شمسي والصفات ضياء
وقد صار في تصريفي الأرض والسما فملكى ملك لم يشبه فناء
طيب النفوس حياة البارى النها شمس تجلت في الكؤوس مداماً
وجه السماع للناسك فيه يقول أن الجمعية في عبادة الله تعالى والتفريغ لها عن جميع الأشغال النفسانية هى طيب النفوس وحياة البارى النها يعنى تكون حياة القلب بالطاعة إذا لعاقل يكون قلبه ميتاً فلا حياة القلوب إلا بعبادة المحبوب فالطاعة شمس يستضئ بها القلب في ظلمات الكون إلى الوصول لمقام الفوز برضاء الله تعالى وإلى الهداية أشار بقوله شمس تجلت في الكؤوس مداما يعنى ظهرت في الأركان والأعمال شمس الهداية لمن داوم عليها.
ووجه السماع للسالك أن الفناء عن الكون بالله تعالى طبيب النفوس لقوله عليه السلام: (لا راحة المؤمن دون لقاء ربه) ومتى حصل اللقاء فنى العبد عن الكون بأجمعه لأن المحدث لا يبقى عند ظهور القديم وقوله حياة البارى النها خبر لمبتدأ هو شمس تجلت معناه أن الحياة الحقيقية أنما تحصل بتجليات الحق تعالى للعبد في أسمائه وصفاته وحينئذ يبقى العبد حياً بحياة الله تعالى فحمل الكؤوس على الأسماء والصفات تأويلاً من حيث تجلى الحق فيها.
ووجه السماع للمحب فيه يقول أن طيب نفوس العاشقين وحياتهم إنما هو مشاهدة جمال المحبوب وتنوعه في مقتضياته من العاشق فتارة يبعده وتارة يقربه وتاره يكمله وتارة يهجره فحياة العاشقين لا تكون إلا بوجود هذه المعاملة من الحبوب فهم معه على السخط والرضى قد طابت نفوسهم بما يفعله بهم لأن مرادهم ما يريده المحبوب فلهم في كل ساعة لذة متجددة وهى تكون لهم تارة بالنعيم وتارة بالعذاب كما قيل:
وتعذبكم عذب لدى وجوركم على بما يقضى الهوى لكم عدل
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن طيب نفس العارف وحياته بوجود سائر الأسماء والصفات الإلهية تخلقاً وتحققاً فلو فقد منها صفة واحدة كانت موضع موته وظهور أثار خلقيته عليه فهو لا حياة له إلا أن يكون دائم الترقي في تحققه بتلك الكمالات الإلهية وإليها الإشارة بقوله شمس تجلت في تلك المعاني الكمالية تخلقاً وتحققاً فافهم وهذا أخر ما أردنا توجيهه من الأبيات المذكور على أهل هذه المراتب