أولًا: قال الإمام النووي: ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال -يعني السنن النبوية عادية كانت أو عبادية- أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا، بل يأتي بما تيسَّر منه؛ لقوله في الحديث المتفق عليه: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»([1]). انتهىٰ.
ثانيًا: وقال الإمام النووي: قال العلماءُ من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحَبُّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب -أي في كل ما عدا العقائد والأحكام- بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا([2]). يعني مكذوبًا. انتهى.
قلنا: وبهذا أخذ الحافظ ابن الصلاح، وهو ما جاء عن أئمة الحديث من السلف كالثوري، وابن حنبل، وابن عيينة، وابن المبارك، وابن مهدي، وابن معين.
وقد بوَّب لذلك ابن عدي في الكامل، والخطيب في الكفاية([3]) وغيرهم.
قلنا: وهاتان قاعدتان علميتان أصوليتان جليتان، كررناهما لأنه ينبغي استيعابُهما تمامًا، واستحضارهما دائمًا، فالحاجة إليهما موصولة، وإنني وإن كنت قد لاحظت -طوق جهدي- ألا أذكر هنا إلا الحديث الصحيح لذاته أو لغيره، أو الحسن لذاته أو لغيره إلا أنه قد يستوجب المقام التنبيه منعًا من التعالم.
ولنا بحث متكامل في أحكام الحديث الضعيف([4]) نرجو مراجعته لمن شاء أن يستقيم، إذ الحديث الضعيف حديث لم تتم فيه كل أركان الصحة، أي أن فيه نصيبًا من الصحة، فهو غير المكذوب الذي لا صحة فيه.
ثالثًا: عندما نقدم هنا دراسة عن الذكر نكون قد أسقطنا من اعتبارنا هذه المبتدعات والمناكر والشعوذات والخزعبلات التي يسميها الممخرقون باسم الذِّكْر ظلمًا وعدوانًا، فإننا نريد ذِكْر أهل العلم والأدب، لا ذِكْر أهل الجهل والخرافة، مهما ظاهروا وكاثروا وفاخروا، فالحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ.
([3]) راجعه في الكفاية تحت باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوّز في فضائل الأعمال : (ص133-134)، ونقل فيه قول الإمام أحمد: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسُّنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.