وأما التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم فحدِّث عنه ولا حرج، ففي حاشية الإيضاح ما يفيد أن العز بن جماعة اعترض منع صاحب الإيضاح تقبيل القبر الشريف ومسه بقول الإمام أحمد لا بأس به، وقول المحب الطبري وابن أبي الصيف يجوز تقبيل القبر الشريف ومسه، وعليه العلماء الصالحين.
وقول السبكي إن عدم التمسح بالقبر الشريف ليس مما قام الإجماع عليه، ثم ذكر حديث إقبال مروان فإذا برجل ملتزم القبر الشريف... الحديث. وفيه أن ذلك الرجل هو أبو أيوب الأنصاري رضى الله عنه، وهذا الحديث أخرجه أحمد، والطبراني، والنسائي.
تبرك النبي صلى الله عليه وسلم بسؤر المسلمين:
وثبت كذلك عند البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم جاء سقاية العباس ليشرب من السقاية، فأمر العباس ابنه عبد الله أن يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم بماء آخر من الدار غير ما يشرب منه الناس؛ لأنه استقذره. وقال: يا رسول الله هذا تمسه الأيدي نأتيك بماء غيره. فقال: «لا، إنما أريد بركة المسلمين وما مسته أيديهم»([1]).
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، فما بالك بغيره؟ فكل مسلم له نور وبركة، ولا نعتقد التأثير لغير الله تعالى.
فطلب بركة الصالحين بالتماس آثارهم ليس في شيء من الشرك ولا من الحرمة يا أولي الألباب، فالكل يعلم أن الفاعل هو الله.
التبرك بما مسته يد النبي صلى الله عليه وسلم:
وفي شفاء القاضي عياض: رُئِيَ ابن عمر رضي الله عنهما واضعًا يده على مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه، أي مسحه بها تبركًا بما مس جسده وثيابه صلى الله عليه وسلم.
قال الشهاب: وهذا رواه ابن سعد ويدل على جواز التبرك بالأنبياء الصالحين، آثارهم وما يتعلق بهم ما لم يؤد إلى فتنة أو فساد عقيدة.
وعلى هذا نحمل ما روي عن عمر من أنه قطع الشجرة التي وقعت تحتها البيعة يفتن بها الناس لقرب عهدهم بالجاهلية، فلا منافاة بينهما. قال: ولا عبرة بمن أنكر مثله من جهلة عصرنا.
الإمام مالك والمدينة:
قال: ولهذا، أي التبرك بأثره صلى الله عليه وسلم، كان الإمام مالك لا يركب بالمدينة دابة رجاء أن يمس جسده ترابًا مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأجل تعظيمه صلى الله عليه وسلم أيضًا، كما يدل عليه قوله: أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة. اهـ.
([1]) أخرجه البخاري: (1635) مقتصرًا على الشرب فقط بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ: «اسْقِنِي». قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: «اسْقِنِي». فَشَرِبَ مِنْهُ...