وذكر العلامة محمد سليمان الكردي المدني في فتاويه الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة الدالة على جواز تقبيل الأماكن الشريفة. وقد جاء أن رجالًا من الصحابة رضى الله عنه كانوا إذا دخلوا المسجد النبوي أخذوا رمانة المنبر الشريف التي كان صلى الله عليه وسلم يمسكها بيده. ولقد صرح علماء المناسك بأنه يسن استلام الركن اليماني الذي ليس فيه الحجر الأسود.
قال الزرقاني في شرحه: ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني الشافعي جواز تقبيل المصحف وقبور الصالحين.
وفي (خلاصة الوفا) للسيد السمهودي ما نصه: وعن إسماعيل التيمي قال كان ابن المنكدر يصيبه الصمات، فكان يقوم فيضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعوتب في ذلك فقال: إنه يستشفي بقبر صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وفي حواشي الطحاوي علىٰ مراقي الفلاح: وكان عمر رضى الله عنه يأخذ المصحف كل غداة ويقبله، وكان عثمان رضى الله عنه يقبله ويمسحه علىٰ وجهه. انتهى.
وثبت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يضع يده على القبر الشريف.
وجاء بسند جيد: أن بلالًا رضى الله عنه لما زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الشام جعل يبكي ويمرغ وجهه على القبر الشريف بمحضر من الصحابة، ولم ينكر ذلك عليه أحد منهم، وكذلك فعل أبو أيوب الأنصاري حينما جاء من أرض الروم.
النبي صلى الله عليه وسلم يقبل المحجن ويقبل الحجر:
وفي الجمع بين الصحيحين ومسند أبي داود: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير إلى الحجر الأسود بمحجنه ويقبل المحجن، فلينظر هؤلاء كيف كان صلى الله عليه وسلم يقبل المحجن لكونه أشار به إلى الحجر الأسود.
وفي حاشية الإقناع للشيخ منصور البهوتي الحنبلي، وناهيك به جلالة وقدرًا قال: كان إبراهيم الحربي، يعني صاحب الإمام أحمد، يستحب تقيبل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ابن عابدين والستور على الضريح:
وفي آخر حاشية العلامة ابن عابدين الحنفي([1]) ما نصه: فائدة:
وضع الستور والعمائم والثياب على قبور الصالحين والأولياء كرهه الفقهاء حتى قال في فتاوي الحجة وتكره الستور على القبور. انتهى.
قال: ولكن نحن الآن نقول إن كان القصد بذلك التعظيم في أعين العامة حتى لا يحتقروا صاحب القبر الذي وضعت عليه الثياب والعمائم، ولجلب الخشوع والأدب لقلوب الغافلين الزائرين، بأن قلوبهم نافرة عند الحضور في التأدب بين يدي أولياء الله تعالى المدفونين في تلك القبور، لما ذكرنا من حضور روحانيتهم المباركة عند قبورهم، فهو أمر جائز لا ينبغي النهي عنه، لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فإنه وإن كان على خلاف ما كان عليه السلف، ولكن هو من قبيل قول الفقهاء في كتاب الحج: إنه بعد طواف الوادع يرجع القهقري حتى يخرج من المسجد، لأن في ذلك إجلال([2]).