روى البخاري، عن أُسيد بن حُضَير رضى الله عنه، قال: «بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فَسكَنَتْ، فقرأ فجالت الفرس، فسكت فَسَكَنَتْ، ثم قرأ فجالت فانصرف، وكان ابنه «يحيى» قريبًا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتَّره (أبعده عن هذا المكان) رفع رأسه إلى السَّمَاء، فإذا هو بمثل الظُّلة فيها أمثال المصابيح، عرجت إلى السَّمَاء حتَّى ما يراها؛ فلما أصبح حَدَّثَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «وتدري ما ذاك؟» قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكةُ دنت لصوتِكَ» أي لقراءتك القرآن، ثُمَّ قال صلى الله عليه وسلم له: «ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ!!»([1]).
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكةُ نزلت لقراءة القرآن، أمَّا إِنَّك لو مَضَيْتَ لرأيْتَ العجائب»([2]).
وفي رواية البراء قال صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ»([3])، وللحديث ألفاظ أخرى في روايات أخرى كلها سليمة.
وقد رواه النسائي، والحاكم، وغيرهما، وقد اتفق نحوه لثابت بن قيس، وبعض الصحابة.
وروى مسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»([4]). وحسبك حديث الملائكة السياحين يلتمسون مجالس الذكر (وهو بطوله وتفصيله في الصحيحين).
ومن السُّنَّة : أن يقول السَّامع للقارئ : «ذكِّرْنا ربنا» يطلب منه
القراءة ؛ فقد كان عمر إذا رأى أبا موسى قال له : «ذكِّرْنا ربنا» فيقرأ عنده([5]).
ومن السُّنَّة: أن يقول له: «أحسنت» إذا انتهى، و«يتقبل الله منَّا ومنكم» .
ومن السُّنَّة: أن يقول له:«حسْبُكَ الآن» إذا أراد أن يسكته، كما رواه الجماعة.
ومن السُّنَّة: خشوع القارئ ، روى ابن ماجه ، قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِى إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ» ([6]).
ومن السُّنَّة: إذا نسي شيئًا من القرآن ألا يقول: نَسيتُ، بل يقول: «أُنْسيتُ، أو نُسِّيتُ»، كما رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.
ولا بأس أبدًا بما اتفقت عليه الأمة في المشارق والمغارب، مما لا يصادم حكمًا صريحًا بالأمر أو النَّهي، من قول القارئ إذا انتهى من قراءته: «صدق الله العظيم» ليشعر السَّامع فينصرف عن أدب السماع إلى شأنه، ثُمَّ ليمضي القارئ إلى مصلحته وما يعنيه.
ولهذه (العادة) المستحسنة المستحمدة المفيدة استئناس من عموم الأمر في قوله تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ [آل عمران: 95]، وقوله تعالى: ﴿وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾([7]) [الأحزاب: 22].
وفي النطق بهذا اللفظ نوع من تجديد الإيمان، بتجدد التصديق بالقرآن من القارئ والسَّامع، بمشاركة السَّامع للقارئ في النطق بها لنفسه، فكُلُّ هذه منافع، وحيثما كانت المنفعة فثَمَّ شرع الله !! ولا نقول إنَّها (سُنَّة)، وإنَّما هي مباحة في حدود قوانين الكتاب والسنة.