قال القُشَيْرِيُّ: فإن قيل: ما الغالب على الولي في حال صحوه؟ قلنا: صدقه في أداء حقوق الله تعالى، ثم رأفته وشفقته على الخلق في جميع أحواله، ثم انبساط رحمته للخلق كافة، ثم دوام تحمله عنهم بجميل الخلق، وابتداؤه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم من غير التماس منهم، وتعلق الهمة بنجاة الخلق وأمنهم، والتوقي عن استشعار حقهم عليهم مع قصر اليد عن أموالهم وترك الطمع بكل وجه فيهم وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، والتصاون عن شهود مساويهم، ولا يكون خَصْمًا في الدنيا والآخرة([1]). قلت: معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في الدنيا فلا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة. قال الله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشُّورى:43]. وقال الله تعالى: ﴿وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134]. وروينا في كتاب «عمل اليوم والليلة» لابن السني بإسناده عن أنس -رضي الله تعالى عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجِزُ أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟». قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: «كان إذا أصبح قال: اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه»([2]).
قلت: معناه لا يقتص ممن ظلمه، كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:194].
([1]) هذه صفة المؤمن حقًّا فتخصيصها بالولي يسوق الناس إلى اعتقادهم أنهم عاجزون عن أن يصلوا إلى هذه الأعمال بسبب أنها خاصة للولي والولاية هبة من الله تعالى يعطيها لمن يشاء ولا يقدر الإنسان أن يتوصل إليها بسعيه، وكثير من المتصوفة يهول الأمر حتى يجعل غالب الناس يعتقد أن الوصول لمرتبة الولاية أمر دونه خرط القتاد، مع أن الولاية هي الاستقامة على الشريعة المحمدية واتباع أحكام الدين. وما ذكروه من الصفات قد أمر الله به وخاطب الناس ليعملوا بموجبه فهو ليس بالأمر الصعب ولا الخارق للعادة بل إنه ضروري لكل مسلم ومن نكص عن عمله فإن في اعتقاده خللًا إلا ما كان من الأعمال الكمالية التي يجازى على فعلها ولا يعاقب على تركها، وليتهم قالوا بدل «ولي» مؤمن كي لا تخور عزيمة المسلم ويعتقد أن ليس في وسعه التحقق بهذه الصفات المشروعة المستفاد معظمها من الأحاديث متى مر ذكرها في هذا الكتاب، وكلها مستفادة من الكتاب والسنة قطعًا.