وأما قول من يقول: العمل المتعدي خير من العمل القاصر فإنه جاهل بأحكام الله تعالى, بل للعمل القاصر أحوال:
إحداهن أن يكون أفضل من المتعدي كالتوحيد والإسلام والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وكذلك الدعائم الخمس إلا الزكاة, وكذلك التسبيح عقيب الصلاة, فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قّدمه على التصدق بفضول الأموال([1]), وهو متعد, وقال: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ». وقال: «خَيْر أعمالكم الصلاة».
وسئل -صلى الله عليه وسلم-: الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». فهذه كلها أعمال قاصرة وردت الشريعة بتفضيلها.
القسم الثاني: ما تكون متعدية, كبر الوالدين, إذ سئل -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ».
وليست الصلاة بأفضل من كل عمل متعد, فلو رأى المصلي غريقا يقدر على إنقاذه, أو مؤمنا يقتل ظلما, أو امرأة يزنى بها, أو صبيا يؤتى منه الفاحشة, وقدر على التخليص والإنقاذ لزمه ذلك مع ضيق الوقت, لأن رتبته عند الله أفضل من رتبة الصلاة, والصلاة إن قيل ببطلانها أمكن تداركها بالقضاء.
فهذان القسمان مبنيان على رجحان مصالح الأعمال، فإن كانت مصلحة القاصر أرجح من مصلحة المتعدي فالقاصر أفضل من المتعدي, وإن كانت مصلحة المتعدي أرجح قدمت على القاصر. فتارة نقف على الرجحان فنقدم الراجح, وتارة ينص الشرع على تفضيل أحد العملين فنقدمه وإن لم نقف على رجحانه, ولا نجد نصًا يدل على التفضيل فليس لنا أن نجعل القاصر أفضل من المتعدي, ولا أن نجعل المتعدي أفضل من القاصر لأن ذلك موقوف على الأدلة الشرعية, فإذا لم يظهر شيء من الأدلة الشرعية لم يجز أن نقول على الله ما لا نعلمه أو نظنه بدلالة شرعية.