(فائدة) إذا استوى الناس في المعارف بحيث لا يفضل بعضهم على بعض في ذلك, فلا فضل لبعضهم على بعض إلا بتوالي العرفان واستمراره, لأن توالي ذلك شرف, فقد فات البعض وفاز به البعض. وكذلك لا تدوم الأحوال الناشئة عن هذه المعارف إلا بدوام المعارف, ولا تدوم الطاعات الناشئة عن الأحوال إلا بدوام الأحوال, فإذا دام صلاح القلب بدوام المعارف والأحوال دام صلاح الجسد بحسن الأقوال واستقامة الأعمال, وإذا غلبت الغفلة على القلب فسدت الأحوال الناشئة عن المعارف, ففسد القلب بذلك وفسدت بفساده الأقوال والأعمال.
والمعارف رُتَبٌ في الفضل والشرف, يترتب فضل الأحوال الناشئة عنها على رتبها في الفضل والكمال, وكذلك ما يترتب عليها من الأقوال والأعمال. والحال الناشئة عن معرفة الجلال والكمال ينشأ عنها أفضل الأعمال, وهو التعظيم والإجلال.
وملاحظة شدة الانتقام ينشأ عنها أفضل الأعمال, وهو التعظيم والخوف.
وملاحظة سعة الرحمة ينشأ عنها الطمع والرجاء.
وملاحظة التوحيد بالنفع والضر ينشأ عنها التوكل على الله في جميع الأحوال.
فالهائب أفضل من المحب, والمحب أفضل من المتوكل, والمتوكل أفضل من الخائف, والخائف أفضل من الراجي, فهذه من أوصاف العارفين بالله.