[40]
الأستاذ الخضيري([1])
(...- 965)
أبو الربيعين، وشيخ الطريقين، الأستاذ أبو عبد الله الخضيري سبط آل الصديق، كان رضى الله عنه صاحب كرامات، وكان شأنه الصمت، وكان مسموع الكلمة عند الأمراء، وتلمذ له جماعة كثيرون.
أخذ عن الجلال السيوطي رضى الله عنه([2])، وكان مصاحبًا لسيدي أبي السعود الجارحي رضى الله عنه.
توفي تاسع شهر ذي الحجة سنة خمس وستين وتسع مئة، ودفن بزاويته خلف مسجد طيلون بالشارع المعروف به، وهو أحدُ المزارات المشهورة بمصر، تقصده الزوار من كل مكان، وله حضرة تقام بعد صلاة الجمعة، يحضرها العلماء، وتدور بينهما النفحات، ومسجده في غاية الظرف، عليه أنوار، وبه بئر، من كانت به أي علة واغتسل منه شفاه الله، وقد عارضتني نوبة شديدة، وأنا إذ ذاك صغير أذهلت عقلي، وشتتت أفكار أبويَّ، ولم يدع والدي رحمه الله طبيبًا روحانيًّا أو غيره إلا وأتى به، ولكن ما سبق في علم الله لا بدَّ من نفاذه، وطالت بي هذه النوبة مدة ثلاثة أشهر أو أكثر، فأتى سيدنا الخضيري رضى الله عنه إلى جدي لأمي، وقال له: قل لابنتك تُحضر ولدها الحسن لعندي يوم الجمعة بعد الصلاة. فأخبر جدي رحمه الله أمي بذلك، وقص عليها الرؤيا، وكان جدي قد سأله: من أنت؟ حتى أخبرها. قال له: أنا الخضيري. فذهبت بي أُمّي إليه يوم الجمعة، وجلست في الحضرة، وأنا إذ ذاك صبيٌّ أبلغ من العمر ثماني سنوات تقريبًا وتردَّدت بي نحو ثلاث جمع، فوالله الذي لا إله إلا هو ما مضت الثلاث جمع إلا وأنا معافى، وكأن لم يكن بي شيٌ، وذهبت تلك النوبة التي أَخرستني، وأَفقدت عقلي مدَّةً طويلة، ولم تعد إليَّ، وهذا كله ببركة هذا الولي الكبير، وهذه كرامةٌ من كراماته، التي تقع على أيدي الناس، وكم لها من نظير إلى وقتنا هذا، اللهم لا تحرمنا من بركتهم، وعطف قلوبهم علينا. ومدفون معه في هذه الزاوية ولده سيدنا أحمد، وسيدي عليٌّ ولده.
وكان سيدنا أحمد ولده من أكابر العارفين، وحصلت له جذبةٌ في بداية عمره ورجع إلى الصحو، أخذ عن والده، وكثرت تلامذته، وكان أكثر إقامته بساقية مكة من الجيزة، وكذلك كان ولده سيدي عليٌّ. اللهم انفعنا بمددهم وبأسرارهم. آمين.
([1]) سليمان الخضيري المصري الشافعي الشيخ الصالح، الفاضل العارف بالله تعالى، أخذ العلم عن جلال الدين السيوطي والقطب الأوجافي، وأخذ الطريق عن الشهاب المرحومي، وأذن له أن يربي المريدين ويلقنهم الذكر. توفي سنة 961 هـ تقريبًا. [«شذرات الذهب» (4/329)].
([2]) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين. إمام حافظ مؤرخ أديب له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. نشأ في القاهرة يتيمًا، مات والده وعمره خمس سنوات، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه فألف أكثر كتبه، وبقي على ذلك إلى أن توفي سنة 911 هـ، من أشهر كتبه: «الإتقان في علوم القرآن»، «الأشباه والنظائر» في العربية، ومثله في فروع الشافعية، وغير ذلك. [«الأعلام» (3/301)، «شذرات الذهب» (8/51)].