أبو بكر الصديق , السابق إلى التصديق , الملقب بالعتيق , المؤيد من الله بالتوفيق , صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار , ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار , وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار , المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار , وعامة الأبرار , وبقي له شرفه على كرور الأعصار , ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار , حيث يقول عالم الأسرار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] إلى غير ذلك من الآيات والآثار , ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار التي غدت كالشمس في الانتشار , وفضل كل من فاضل , وفاق كل من جادل وناضل , ونزل فيه: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]. توحد الصديق في الأحوال بالتحقيق , واختار الاختيار من الله حين دعاه إلى الطريق , فتجرد من الأموال والأعراض , وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض , صار للمحن هدفا , وللبلاء غرضا , وزهد فيما عز له جوهرا كان أو عرضا , تفرد بالحق عن الالتفات إلى الخلق , وقد قيل: «إن التصوف الاعتصام بالحقائق عند اختلاف الطرائق» حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس , فقال: اجلس يا عمر فتشهد فقال: " أما بعد , فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات , ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت , إن الله تعالى قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية " قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر , فتلقاها منه الناس كلهم , فما نسمع بشرا من الناس إلا يتلوها قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي , وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه يتوصل بعز الوفاء إلى أسنى مواقف الصفاء , وقد قيل: " إن التصوف تفرد العبد بالصمد الفرد"
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة، رضي الله تعالى عنها قالت: لما أنفذت قريش جوار ابن الدغنة قالوا له: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره , وليصل فيها ما شاء , وليقرأ ما شاء , ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره , قال: ففعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه , ثم بدا له فابتنى مسجدا بفناء داره , فكان يصلي فيه ويقرأ فتصطف عليه نساء المشركين , وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه , وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن , فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة , فقدم عليهم فأتى ابن الدغنة، أبا بكر فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه , فإما أن تقتصر على ذلك , وإما أن ترجع إلى ذمتي , فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في عقد رجل عقدت له، فقال أبو بكر: «فإني أرد إليك جوارك , وأرضى بجوار الله ورسوله» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أحمد بن علي بن الجارود، ثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا عبد الله بن إدريس الأودي، وحدثنا الحسين بن محمد، ثنا الحسن، ثنا حميد، ثنا جرير، ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال، قال: قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لأصحابه: " ما تقولون في هاتين الآيتين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] , وَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} " قال: قالوا: ربنا الله ثم استقاموا , فلم يدينوا , ولم يلبسوا إيمانهم بظلم بخطيئة , قال: " لقد حملتموها على غير المحمل , ثم قال: قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره , ولم يلبسوا إيمانهم بشرك " قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله عنه من أحواله العزوف عن العاجلة , والأزوف من الآجلة , وقد قيل: «إن التصوف تطليق الدنيا بتاتا , والإعراض عن منالها ثباتا»
حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا الحسن بن علي، والفضل بن داود، قالا: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عبد الواحد بن زيد، ثنا أسلم، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه استسقى فأتي بإناء فيه ماء وعسل , فلما أدناه من فيه بكى وأبكى من حوله , فسكت وما سكتوا , ثم عاد فبكى حتى ظنوا أن لا يقدروا على مساءلته , ثم مسح وجهه وأفاق , فقالوا: ما هاجك على هذا البكاء؟ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يدفع عنه شيئا ويقول: «إليك عني إليك عني» ولم أر معه أحدا , فقلت: يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئا ولا أرى معك أحدا؟ قال: " هذه الدنيا تمثلت لي بما فيها , فقلت لها: إليك عني فتنحت وقالت: أما والله لئن انفلت مني لا ينفلت مني من بعدك «, فخشيت أن تكون قد لحقتني , فذاك الذي أبكاني» قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه لا يفارق الجد , ولا يجاوز الحد , وقد قيل: " إن التصوف الجد في السلوك إلى مالك الملوك"
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، حدثني يعقوب بن سفيان، قال: حدثني عمرو بن منصور البصري، ثنا عبد الواحد بن زيد، عن أسلم الكوفي، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، قال: " كان لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مملوك يغل عليه , فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوع , من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني , فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني , قال: إن كدت أن تهلكني , فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ , وجعلت لا تخرج , فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء , فدعا بطست من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها , فقيل له: يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة , قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» , فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة " ورواه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة نحوه , والمنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر نحوه قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه يقدم على المضار لما يؤمل فيه من المسار. وقد قيل: «إن التصوف السكون إلى اللهيب في الحنين إلى الحبيب»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، قال: ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما قالت: " أتى الصريخ آل أبي بكر , فقيل له: أدرك صاحبك , فخرج من عندنا - وإن له غدائر - فدخل المسجد وهو يقول: " ويلكم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] " فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر , فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: «تباركت يا ذا الجلال والإكرام» قال الشيخ رحمه الله تعالى: كان رضي الله تعالى عنه يقدم الحقير مفتادا للخطير , وقد قيل: «إن التصوف وقف الهمم على مولى النعم»
حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي، ثنا أبو عطاء محمد بن إبراهيم بن الصلت الطائي , ثنا داود بن معاذ، ثنا عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فأخفاها , قال: يا رسول الله هذه صدقتي , ولله عز وجل عندي معاد , وجاء عمر رضي الله تعالى عنه بصدقته فأظهرها , فقال: يا رسول الله هذه صدقتي , ولي عند الله معاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر وترت قوسك بغير وتر , ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما» ورواه زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، نحوه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، وثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا أبو نعيم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق , ووافق ذلك مال عندي , فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما , قال: فجئت بنصف مالي , قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: فقلت: مثله , وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم الله ورسوله , قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا ورواه عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، نحوه قال الشيخ رحمه الله تعالى: كان رضي الله تعالى عنه في المصافات صافيا , وفي المؤاخاة وافيا , وقد قيل: «إن التصوف استنفاد الطوق في معاناة الشوق , وتزجية الأمور على تصفية الصدور»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن العباس بن أيوب، ثنا أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب، ثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عبد الرحمن، ثنا عطاء بن أبي ميمونة أبو معاذ، عن أنس بن مالك، قال: " لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك , فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك , قال: «ادخل» , فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه , فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر , حتى فعل ذلك بثوبه أجمع , قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه , ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فأين ثوبك يا أبا بكر؟» فأخبره بالذي صنع , فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة» , فأوحى الله تعالى إليه: «إن الله قد استجاب لك»
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد الوراق، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي، ثنا سلمة بن حفص السعدي، ثنا يونس بن بكير، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا هشام بن عروة، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: «كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا»
ومن مفاريد أقواله , لمراعاة أحواله :
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا مصعب الزبيري، حدثني مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر، دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه , فقال له عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: «إن هذا أوردني الموارد»
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا هارون بن إسحاق، أنبأنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب، قال: قال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «طوبى لمن مات في النانات» قيل: وما النانات؟ قال: «جدة الإسلام»
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا هارون بن إسحاق، أنبأنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب، قال: قال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «طوبى لمن مات في النانات» قيل: وما النانات؟ قال: «جدة الإسلام»
حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد، ثنا محمد بن عزيز، ثنا سلامة بن روح، عن عقيل، قال: قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه خطب الناس فقال: «يا معشر المسلمين استحيوا من الله عز وجل , فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل» رواه ابن المبارك، عن يونس نحوه
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر، قال: " مرض أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعادوه فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: «قد رآني» قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: قال: «إني فعال لما أريد»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو الزنباع، ثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه في مرضه الذي توفي فيه , فسلمت عليه فقال: «رأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل , وهي جائية , وستتخذون ستور الحرير ونضائد الديباج , وتألمون ضجائع الصوف الأزري , كأن أحدكم على حسك السعدان , ووالله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه - في غير حد - خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه كان يقول في خطبته: «أين الوضاء الحسنة وجوههم , المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور , الوحا الوحا , النجاء النجاء»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله القرشي، عن عبد الله بن عكيم، قال: خطبنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: " أما بعد , فإني أوصيكم بتقوى الله , وأن تثنوا عليه بما هو له أهل , وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة , وتجمعوا الإلحاف بالمسألة , فإن الله تعالى أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ , وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا , وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] , ثم اعلموا عباد الله أن الله تعالى قد ارتهن بحقه أنفسكم , وأخذ على ذلك مواثيقكم , واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي , وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه , ولا يطفأ نوره , فصدقوا قوله , وانتصحوا كتابه , واستبصروا فيه ليوم الظلمة , فإنما خلقكم للعبادة ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون , ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه , فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا , ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله , فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فيردكم إلى أسوأ أعمالكم , فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم , الوحا الوحا , النجاء النجاء , إن وراءكم طالبا حثيثا أمره سريع "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا أزهر بن عمير، وكان بالثغر قال: حدثني أبو الهذيل، عن عمرو بن دينار، قال: خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: «أوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه , وأن تثنوا عليه بما هو أهله , وأن تستغفروه إنه كان غفارا». فذكر نحو حديث عبد الله بن عكيم , وزاد: " واعلموا أنكم ما أخلصتم لله عز وجل فربكم أطعتم , وحقكم حفظتم , فأعطوا ضرائبكم في أيام سلفكم , واجعلوها نوافل بين أيديكم تستوفوا سلفكم حين فقركم وحاجتكم , ثم تفكروا عباد الله فيمن كان قبلكم , أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الملوك الذين كانوا أثاروا الأرض وعمروها؟ قد نسوا ونسي ذكرهم , فهم اليوم كلا شيء: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52] , وهم في ظلمات القبور: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] , وأين من تعرفون من أصحابكم وإخوانكم؟ قد وردوا على ما قدموا , فحلوا الشقوة والسعادة , إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب , يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه سوءا , إلا بطاعته واتباع أمره , وإنه لا خير بخير بعده النار , ولا شر بشر بعده الجنة , أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، قال: ثنا أبو المغيرة، ثنا حريز بن عثمان، عن نعيم بن نمحة، قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: «أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون في أجل معلوم». فذكر نحو حديث عبد الله بن عكيم , وزاد: «ولا خير في قول لا يراد به وجه الله تعالى , ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله عز وجل , ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه , ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا خلاد بن يحيى، ثنا فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت دعا عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له: " اتق الله يا عمر , واعلم أن لله عز وجل عملا بالنهار لا يقبله بالليل , وعملا بالليل لا يقبله بالنهار , وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة , وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم , وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا , وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم , وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا , وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم , وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن لا ألحق بهم , وأن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم , ورد عليهم أحسنه , فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء , ليكون العبد راغبا راهبا , لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمته عز وجل , فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائبا أحب إليك من الموت , وهو آتيك , وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائبا أبغض إليك من الموت , ولست بمعجزه "
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: ثنا خالد بن مخلد: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، قالت: سمعت عائشة، تقول: " لبست ثيابي فطفقت أنظر إلى ذيلي وأنا أمشي في البيت , وألتفت إلى ثيابي وذيلي , فدخل علي أبو بكر فقال: يا عائشة «أما تعلمين أن الله لا ينظر إليك الآن»
حدثنا أحمد بن السندي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا إسحاق بن بشر، ثنا ابن سمعان، عن محمد بن زيد، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، رضي الله تعالى عنها قالت: " لبست مرة درعا لي جديدا، فجعلت أنظر إليه وأعجبت به، فقال أبو بكر: «ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك » قلت: ومم ذاك؟ قال: «أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه عز وجل، حتى يفارق تلك الزينة»، قالت: فنزعته فتصدقت به، فقال أبو بكر: «عسى ذلك أن يكفر عنك»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا أبو المغيرة، ثنا عتبة، حدثني أبو ضمرة يعني حبيب بن ضمرة، قال: حضرت الوفاة ابنا لأبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى الوسادة، قال: فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير، أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يسترجع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون «ما أحسب جلدك يتسع لها»
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا محمد بن هشام، ثنا أبو إبراهيم الترجماني، ثنا عاصم بن طليق، عن ابن سمعان، عن أبي بكر بن محمد الأنصاري، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه قيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تستعمل أهل بدر؟ قال: «إني أرى مكانهم، ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عمي أبو بكر، وسعيد بن عمر، قالا: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس، قال: اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون بالحجارة بخمس أواق ذهبا، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، قال: «لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته»