التعريف به:
هو صاحب سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال عنه أبو نعيم: «ومنهم: المتفكر عند نزول الآيات، والمتصبر عند تناول الرايات عبد الله بن رواحة الأنصاري، استشهد بالبلقاء زاهدًا في البقاء، راغبا في اللقاء. وقد قيل: إن التصوف الوطء على جمر الغضا إلى منازل الأنس والرضا».
أخلاقه وأيامه في الإسلام:
روي عن عن عروة بن الزبير، قال: لما أراد ابن رواحة الخروج إلى أرض مؤتة من الشام أتاه المسلمون يودعونه، فبكى. فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: أما والله ما بي . الدنيا ولا صبابة لكم، ولكني سمعت رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية: ﴿وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مُقْضِيَّا) [مريم: ۷۱]، فقد علمت أني وارد النار، ولا أدري كيف الصدر بعد الورود.
وروي عن ابن شهاب الزهري، قال: زعموا أن ابن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة، فبكى أهله حين رأوه يبكي. فقال: والله ما بكيت جزءًا من الموت ولا صبابة لكم، ولكني بكيت من قول الله عز وجل: وان مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيَّا، فأيقنت أني واردها ولم أدر أأنجو منها أم لا؟
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب، ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، قال: لما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة، قال للمسلمين: صحبكم الله ودفع عنكم، قال عبد الله بن رواحة:
لَكِنَّي أَسْأَلُ الرَّحَمَنَ مَغْفِرَةٌ وَضَربَةٌ ذَاتَ فَرعَ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أَو طَعْنَةٌ بِيَدَي حَرَّانَ مُجهِزَةٌ بِحَربَةٍ تُنفِذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثي أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازِ وَقَد رَشَدَا
قال: ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضمت إليه المستعربة من الخم وجذام وبلقين وبهرا وبلى في مائة ألف، فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا نكتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنخبره بعدد عدونا، قال: فشجع عبد الله ابن رواحة الناس ثم قال: والله يا قوم إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون: الشهادة، وما نقاتل العدو بعدة ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا. فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة. قال: فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة ، فمضى الناس.
وروي عن زيد بن أرقم، قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج في سفرته تلك مردفي على حقيبة راحلته، فو الله إنا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل بأبياته هذه:
إِذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلَتِ رَحلِي مَسِيرَةَ أَربَعَ بَعْدَ الحِسَاءِ
فَشَأْنُكِ فَانعَمِي وَخَلاكِ ذَمُّ وَلَا أَرْجِعِ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَآبَ الْمُسْلِمُوْنَ وَغَادَرُونِ بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِي النَّواءِ
وَرَدَّكِ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ إِلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلَعَ بَعلٍ وَلَا نَخْلِ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ
فلما سمعتهن بكيت قال: فخفقني بالدرة وقال: ما عليك يا لكع، إن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل.
وروي عن محمد بن إسحاق أنه قال: وحدثني ابن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثني أبي الذي أرضعني وكان في تلك الغزاة قال : لما قتل زيد وجعفر أخذ ابن رواحة الراية، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويردد بعض التردد ثم قال:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنَّهُ لَتَنْزِلَنَّهُ أَوْ لَتُكْرِهَنَّه
إِذَ جَلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهُ مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِبْنَ الْجَنَّهُ
لطَالَما قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّه هَلْ أَنتِ إِلَّا نُطْقَةٌ في شَنَّه
وقال عبد الله بن رواحة أيضًا:
يَا نَفْسُ إِلَّا تُفْتِي تَونِ هَذَا حِمَامُ المَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
وَمَا تَبَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ إِنْ تَفْعَلِي فِعَلَهُمَا هُدِيْتِ
يعني: صاحبيه - زيدًا وجعفرا - ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عمي بعظم من لحم؛ فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لاقيت من أيامك هذه ما قد لقيت، فأخذه من يده ثم انتهش منه نهشة، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس؛ فقال: وأنت في الدنيا. ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل الله . قال: ولما أصيب القوم قال رسول الله ﷺ - فيما بلغني -: «أَخَذَ زَيْدُ الرَّايَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا». ثم صمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بعض ما يكرهون، ثم قال: «ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ الله بن رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا»، ثم قال: «لَقَدْ رَفَعُوا لي في الجَنَّةِ فَيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرَرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَرَأَيْتُ في سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرِ صَاحِبِيْهِ. فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ فَقِيْلَ لِي: مَضِيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ الله بن رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّد ».
وروي عن سعيد بن المسيب، قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : «مثلوا لي فِي الْجَنَّةِ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرَّةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَلَى سَرِيرِ، فَرَأَيْتُ زَيْدًا وَابْن رَوَاحَة فِي أَعْنَاقِهِمَا صُدُودًا، وَأَمَّا جَعْفَرُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ
لَيْسَ فِيْهِ صُدُودٌ»، قَالَ: «فَسَأَلْتُ»، أو قال: «قِبْلَ لي إِنَّهَا حِيْنَ غَشِيَهُمَا الْمَوْتُ كَأَنَّهَا أَعْرَضَا، أَوْ كَأَنَّها صَدًا بِوُجُوهِهِمَا، وَأَمَّا جَعْفَرُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ قال ابن عيينة فذلك حين يقول ابن رواحة:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنَّهُ بِطَاعَةٍ مِنْكِ أَوْ لَتُكْرِهَنَّه
فَطَالَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّه جَعْفَرُ مَا أَطْيَبَ رِيحَ الْجَنَّه
الرئيسة