ثاني القوم عمر الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق، وفرق به بين الفصل والهزل، وأيد بما قواه به من لوامع الطول، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد، وبدد به مواد التنديد، فظهرت الدعوة، ورسخت الكلمة، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة ما نشأت لهم من الدولة، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم، ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم، واستنصارا بمن هو قاصمهم وشانيهم، محتملا لما احتمل الرسول، ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول، ومفارقا لمن اختار التنعيم والترفيه، ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين، والموافقة في الأحكام لرب العالمين، السكينة تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه، كان للحق مائلا، وبالحق صائلا، وللأثقال حاملا، ولم يخف دون الله طائلا. وقد قيل: إن التصوف ركوب الصعب في جلال الكرب .
حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لما كان يوم أحد جاء أبو سفيان بن حرب فقال: أفيكم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه»، ثم قال: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال الثالثة: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، قالها ثلاثا، ثم قال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ قالها ثلاثا، فلم يجيبوه، فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا، أحياء ولك منا يوم سوء، فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وقال: اعل هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: قولوا: «الله أعلى وأجل»، قال: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: قولوا: «الله مولانا، ولا مولى لكم»
حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا أبو معشر الدارمي، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة عن البناني، عن عكرمة، " أن أبا سفيان بن حرب، لما قال: اعل هبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: " قل: الله أعلى وأجل "، فقال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قل: الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم "
حدثنا فاروق الخطابي، ثنا زياد الخليلي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمد بن فليح، ثنا هارون، ثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، قال: لما كان يوم أحد قال أبو سفيان: اعل هبل، يفخر بآلهته، فقال عمر: اسمع يا رسول الله ما يقول عدو الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناده: الله أعلى وأجل " قال الشيخ رحمه الله: أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالمجاوبة من بين أصحابه لما اختص به من الصولة والمهابة، وما عهد منه في ملازمته للتفريد، ومحاماته على معارضة التوحيد، وأنه لا ينهنهه عن مصاولتهم العدة والعديد قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه للدين معلنا، ولأعمال البر مبطنا. وقد قيل: إن التصوف الوصول بما علن إلى ظهور ما بطن .
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، قال : قال عمر بن الخطاب: " كان أول إسلامي أن ضرب، أختي المخاض، فأخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قارة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه نعلاه فصلى ما شاء الله ثم انصرف، قال: فسمعت شيئا لم أسمع مثله، قال: فخرجت فاتبعته فقال: «من هذا؟» قلت: عمر، قال: «يا عمر ما تتركني ليلا ولا نهارا»، فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، قال: فقال: «يا عمر استره»، قال: فقلت: والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الحميد بن صالح، ثنا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد الله عن بن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: سألت عمر رضي الله تعالى عنه: " لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال: «ما أنت بمنته يا عمر؟» قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: «بلى والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم»، قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق، وفرق الله بين الحق والباطل "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا أبو حصين القاضي الوادعي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا حصين بن عمرو، ثنا مخارق، عن طارق، عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه قال: «لقد رأيتني وما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلا، وكنت رابع أربعين رجلا، فأظهر الله دينه، ونصر نبيه، وأعز الإسلام» قال يحيى: وحدثني أبي، عن عمه عبد الرحمن بن صفوان، عن طارق، عن عمر رضي الله تعالى عنه مثله
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا علي بن ميمون العطار، والحسن البزاز، قالا: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني، ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: قال لنا عمر رضي الله تعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا، فجلست بين يديه فأخذ بمجمع قميصي ثم قال: «أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده»، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، قال: فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة، قال: وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم، فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف الباب، قال: وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته فدخل البيت، فقلت في نفسي: ما هذا بشيء، الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد، فقال رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم، قال: إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانا وقل له: صبوت، فإنه قل ما يكتم سرا، فجئته فقلت: تعلم أني قد صبوت؟ فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربونني وأضربهم، فقال خالي: يا قوم إني قد أجرت ابن أختي، فلا يمسه أحد، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته فقلت: الناس يضربون ولا أضرب، فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي، قال: قلت: تسمع؟ قال: ما أسمع؟ قلت: جوارك رد عليك، قال: لا تفعل، قال: فأبيت، قال: فما شئت، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام " قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه مخصصا بالسكينة في الإنطاق، ومحرزا من القطيعة والفراق، ومشهرا في الأحكام بالإصابة والوفاق. وقد قيل: إن التصوف الموافقة للحق، والمفارقة للخلق .
حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا عثمان بن عمر، ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قال علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - «كنا نتحدث أن ملكا ينطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا الحسن بن علي بن الوليد، ثنا عبد الرحمن بن نافع، ثنا مروان بن معاوية، عن يحيى بن أيوب البجلي، عن الشعبي، عن أبي حجيفة، قال: قال علي - كرم الله وجهه - «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه» حدثنا سعد بن محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا طاهر بن أبي أحمد، ثنا أبي أحمد، ثنا أبو إسرائيل، عن الوليد بن العيزار، عن عمرو بن ميمون، عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه قال: ما كنا ننكر - ونحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون - أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عمرو بن أبي الطاهر، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الله بن عمر، عن جهم بن أبي الجهم، عن مسور بن مخرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى عز وجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه»
حدثنا محمد بن علي بن مسلم، ثنا محمد بن يحيى بن المنذر، ثنا سعيد بن عامر، ثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، رضي الله تعالى عنهما قال: " وافقت ربي عز وجل في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر " رواه حميد وعلي بن زيد والزهري، عن أنس، مثله
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا أبو نوح قراد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا سماك أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا رضوان الله عليهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» ، قال: فقلت: أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه، حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وقادتهم، فلم يهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، فأخذ منهم الفداء، قال عمر: فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» لشجرة قريبة، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلى قوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68]- من الفداء - {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]، ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا، قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ - بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ - إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}"
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر الأسرى يوم بدر استشار أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال: قومك وعترتك، فخل سبيلهم، فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] الآية، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: «كاد أن يصيبنا في خلافك شر»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا إسماعيل بن عياش، قال: سمعت عمر، رضي الله تعالى عنه يقول: " لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه، فلما قام يريد الصلاة عليه تحولت فقلت: يا رسول الله أتصلي على عدو الله ابن أبي ابن سلول القائل يوم كذا وكذا، فجعلت أعدد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى أكثرت فقال: " أخر عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قد قيل: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، فلو أعلم أني زدت على السبعين غفر له لزدت "، ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره وفرغ من دفنه، فعجبا لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] الآية، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق حتى قبضه الله عز وجل " قال الشيخ رحمه الله: فأخلى همه في مفارقة الخلق، فأنزل الله تعالى الوحي في موافقته للحق، فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم، وصفح عمن أخذ الفداء منهم لسابق علمه منهم وطوله عليهم، وكذا سبيل من اعتقد في المفتونين الفراق، أن يؤيد في أكثر أقاويله بالوفاق، ويعصم في كثير من أحواله وأفاعيله من الشقاق، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ووفاته مجامعا، ولما اختار له في يقظته ومنامه متابعا، يقتدي به في كل أحواله، ويتأسى به في جميع أفعاله. وقد قيل: إن التصوف استقامة المناهج، والتطرق إلى المباهج.
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، وثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: دخلت على أبي فقلت: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان راعي إبل - أو راعي غنم - ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد، فوضع رأسه ساعة ثم رفعه فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه، وإني إن لم أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا عمرو بن حمزة، قال: أخبرني سالم، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إلي، فقلت: يا رسول الله ما شأني؟ قال: «ألست الذي تقبل وأنت صائم؟» فقلت: والذي بعثك بالحق، لا أقبل وأنا صائم "
ثنا سليمان بن أحمد، ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا يحيى بن المتوكل، ثنا أبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده، قال: " لبس عمر رضي الله تعالى عنه قميصا جديدا، ثم دعاني بشفرة فقال: «مد يا بني كم قميصي، والزق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطع ما فضل عنها» فقطعت من الكمين من جانبيه جميعا، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص، فقال: «دعه يا بني، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل»، فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا المقدام بن داود، ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة، ثنا مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " قدم على عمر رضي الله تعالى عنه مال من العراق فأقبل يقسمه، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين لو أبقيت من هذا المال لعدو إن حضر أو نائبة إن نزلت؟ فقال عمر: «ما لك قاتلك الله نطق بها على لسانك شيطان، لقاني الله حجتها، والله لا أعصين الله اليوم لغد، لا ولكن أعد لهم ما أعد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه بالحقائق لهجا عروفا، وعن الأباطيل منعرجا عزوفا. وقد قيل: إن التصوف دفع دواعي الردى بما يرقب من نقع الصدى
حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد بن جدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن الأسود بن سريع، قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك، فقال: إن ربك عز وجل يحب الحمد "، فجعلت أنشده، فاستأذن رجل طويل أصلع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسكت»، فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته، ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فقلت: يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له؟ فقال: «هذا عمر، رجل لا يحب الباطل»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا معمر بن بكار السعدي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن الأسود التميمي، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده، فدخل رجل طوال أقنى، فقال لي: «أمسك»، فلما خرج قال: «هات»، فجعلت أنشده، فلم ألبث أن عاد، فقال لي: «أمسك»، فلما خرج قال: «هات»، فقلت: من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت: «أمسك»، وإذا خرج قلت: «هات»؟ قال: «هذا عمر بن الخطاب، وليس من الباطل في شيء» قال الشيخ رحمه الله تعالى: فالاستدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم منه رخصة وإباحة لاستماع المحامد والمدائح، فقد كان نشيده والثناء على ربه عز وجل والمدح لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإخباره عليه الصلاة والسلام أن عمر رضي الله تعالى عنه لا يحب الباطل، أي من اتخذ التمدح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في الأودية، ويشين بفريته المحافل والأندية، فيمدح من لا يستحقه، ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائلة، فيكون رافعا لمن وضعه الله عز وجل لطمعه، أو واضعا لمن رفعه الله عز وجل لغضبه، فهذا الاكتساب والاحتراف باطل، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يحب الباطل». فأما الشعر المحكم الموزون فهو من الحكم لحسن المخزون، يخص الله تعالى به البارع في العلم ذا الفنون، وقد كان أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم يشعرون .
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا أسد بن موسى، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع، قال: " كنت أنشده - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل: اسكت اسكت قلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع " قال الشيخ رحمه الله تعالى: فكذا سبيل الأبرياء من الشرك والعناد، الأصفياء بالمعرفة والوداد، أن لا يلهيهم باطل من الفعال والمقال، وأن لا يثنيهم في توجههم إلى الحق حال من الأحوال، وأن يكونوا مع الحق على أكمل حال وأنعم بال، كان رضي الله تعالى عنه يلتمس بالذلة لمولاه القوة والتعزز، ويترك في إقامة طاعته الرفاهية والتقزز. وقد قيل: إن التصوف النبو عن رتب الدنيا، والسمو إلى المرتبة العليا .
حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المقرئ، ثنا يحيى بن الربيع، ثنا سفيان، عن أيوب الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: " لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه فأمسكهما، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، فصك في صدره وقال: «أوه لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله». رواه الأعمش عن قيس بن مسلم مثله
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن شبل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، قال: لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: «لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا يحيى بن عبد الله، ثنا الأوزاعي، أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل الليل فرأه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: «ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبد الله بن رسته، ثنا شيبان، وثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا عبد الصمد، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن، أو غيره، شك أبو الأشهب، ولم يذكر أحمد بن حنبل الشك فقال: عن الحسن، قال: مر عمر رضي الله تعالى عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: «هذه دنياكم التي تحرصون عليها، أو تتكلمون عليها» قال الشيخ رحمه الله تعالى: وكان رضي الله عنه عن فناء الملاذ منتهيا، ولباقي المعاد مبتغيا، يلازم المشقات، ويفارق الشهوات. وقد قيل: إن التصوف حمل النفس على الشدائد، الذي هو من أشرف الموارد
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو الهيثم محمد بن يعقوب الربالي، ثنا عبيد الله بن نمير، عن ثابت، عن أنس، قال: تقرقر بطن عمر رضي الله تعالى عنه، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان قد حرم على نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بأصبعه وقال: «تقرقر، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا يزيد بن مروان، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن مصعب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك، فقد وسع الله عز وجل من الرزق، وأكثر من الخير؟ فقال: " إني سأخصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش؟ فما زال يذكرها حتى أبكاها، فقال لها: «والله إن قلت ذلك، أما والله لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما الشديد، لعلى أدرك معهما عيشهما الرخي»
حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي، ثنا الحسن بن المثنى، ثنا عفان، ثنا جرير بن حازم، ثنا الحسن، أن عمر، رضي الله تعالى عنه قال: " والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرقكم عيشا، إني والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، وعن صلاء وصناب وصلايق، ولكني سمعت الله عز وجل عير قوما بأمر فعلوه فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] الآية "
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن موسى بن سعد، عن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب، كان يقول: " والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينتبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يقول: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] الآية "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا ابن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قدم على عمر رضي الله تعالى عنه ناس من أهل العراق، فرأى كأنهم يأكلون تعزيزا، فقال: " هذا يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم، ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا، أما سمعتم الله عز وجل قال لقوم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] الآية
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن بعض، أصحابه، عن عمر، قال: قدم عليه ناس من أهل العراق، فيهم جابر بن عبد الله، قال: فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم: خذوا، فأخذوا أخذا ضعيفا، فقال لهم عمر: قد رأى ما تقرمون، فأي شيء تريدون؟ حلوا وحامضا وحارا وباردا، ثم قذفا في البطون "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا شجاع بن الوليد، عن خلف بن حوشب، أن عمر، رضي الله تعالى عنه قال: «نظرت في هذا الأمر فجعلت إذا أردت الدنيا أضر بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن شبل، ثنا عبد الله بن محمد العبسي، ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن أبي بردة، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما: «أما بعد، فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عند الله عز وجل من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك، فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة؛ نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها، والسلام عليك»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا محمد بن فضيل، عن السري بن إسماعيل، عن عامر الشعبي، قال: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله تعالى عنهما: «من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل، فما ظنك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟ والسلام»
كلماته في الزهد والورع ومن مفاريد أقواله الدالة على حقائق أحواله :
حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن مجاهد قال: قال عمر: «وجدنا خير عيشنا الصبر»
حدثنا أبو بكر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ووكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال عمر في خطبة: «تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه» رواه ابن وهب، عن الثوري، عن هشام، عن أبيه، عن زيد بن الصلت، عن عمر
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا ابن وهب، به، حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق [ص:51] الثقفي، ثنا عبد الله بن عمر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي قال: قال عمر: والله لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: قال عمر بن الخطاب: «جالسوا التوابين، فإنهم أرق شيء أفئدة»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي خالد، قال: قال عمر: «كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم، وسلوا الله رزق يوم بيوم»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: سمع عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه رجلا يقول: " اللهم إني أستنفق مالي ونفسي في سبيلك، فقال عمر: أولا يسكت أحدكم إذا، فإن ابتلي صبر، وإن عوفي شكر "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا الوليد بن شجاع بن الوليد، حدثني أبي، حدثني زياد بن خيثمة، عن محمد بن جحادة، أن حبيب بن أبي ثابت، حدثهم، عن يحيى بن جعدة، قال: قال عمر: " لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله: لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر، أو أن أسير في سبيل الله عز وجل " رواه عن حبيب، منصور بن المعتمر، والثوري، والمسعودي في جماعة
ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سليمان بن داود، ثنا شعبة، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: قال عمر بن الخطاب: «الشتاء غنيمة العابدين» رواه زائدة وجماعة عن التيمي، مثله
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين، ثنا أبو كريب، ثنا المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى، قال: «كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء»
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا هشام عن الحسن، قال: «كان عمر يمر بالآية في ورده فتخنقه فيبكي حتى يسقط ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضا»
حدثنا محمد بن حميد، ثنا عبد الله بن زيدان، ثنا أبو كريب، ثنا ابن إدريس، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: «صليت خلف عمر فسمعت حنينه، من وراء ثلاثة صفوف»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر بن الخطاب: " زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن مسلم، ثنا هناد، ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك، قال: قال عمر: «ليتني كنت كبش أهلي، يسمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء، وبعضي قديدا، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرا»
حدثنا محمد بن علي، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالما، يحدث عن ابن عمر، قال: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال لي: «ضع رأسي على الأرض» قال: فقلت: وما عليك كان على فخذي أم على الأرض؟ قال: «ضعه على الأرض» قال: فوضعته على الأرض، فقال: «ويلي وويل أمي إن لم يرضني ربي»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، ثنا أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: " لما طعن عمر قال: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه "
حدثنا محمد بن معمر، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله، ثنا الأوزاعي، حدثني سماك، قال: سمعت عبد الله بن عباس، يقول: لما طعن عمر دخلت عليه فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين فإن الله قد مصر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق، قال: «أفي الإمارة تثني علي يا ابن عباس؟» فقلت: وفي غيرها، قال: «والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا بهز، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا مالك بن دينار، ثنا الحسن، قال: «خطب عمر بن الخطاب، وهو خليفة، وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا عبد الله بن الحسن الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي، حدثني داود بن علي، قال: قال عمر بن الخطاب: «لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن عمر بن الخطاب، قال: " لو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد: أيها الناس، إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا، لرجوت أن أكون هو "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: «كان البر لا يعرف في عمر، ولا في ابنه، حتى يقولا أو يعملا» رواه ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، مثله
حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا عبيد الله بن محمد العيشي، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني رجل، من قريش، عن ابن عكيم، قال: قال عمر: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل: اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي حسنة "
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال المحاربي، قال: لما ولي عمر بن الخطاب قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ألا إني داع فهيمنوا اللهم إني غليظ فليني، وشحيح فسخني، وضعيف فقوني "
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو العباس الثقفي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد، عن هشام، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب، يقول: «اللهم لا تجعل قتلي على يدي عبد قد سجد لك سجدة يحاجني بها يوم القيامة»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة، قالت: سمعت عمر، يقول: «اللهم قتلا في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك» قلت: وأنى يكون هذا؟ قال: «يأتي به الله إذا شاء»
حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الرحمن، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري، أنه سمع سعيد بن المسيب، يذكر، أن عمر بن الخطاب، كوم كومة من بطحاء، ثم ألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط "
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، ثنا محمد بن شبل، ثنا عبد الله بن محمد العبسي، ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن سليم بن حنظلة، عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك أن تأخذني على غرة، أو تذرني في غفلة، أو تجعلني من الغافلين»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا روح، ثنا شعبة، أخبرنا يعلى بن عطاء، قال: سمعت عبد الله بن خراش، يحدث، عن عمه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول في خطبته: «اللهم اعصمنا بحبلك، وثبتنا على أمرك»
حدثنا أبو بكر أحمد بن السدي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا هياج بن بسطام، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: " ما كان شيء أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: خيرا، " كاد عرشي يهوي بي لولا أني لقيت ربا غفورا، فقال: منذ كم فارقتكم؟ فقلت: منذ اثنتي عشرة سنة , فقال: إنما انفلت الآن من الحساب "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا الحسن بن جعفر، ثنا المنجاب بن الحارث، ثنا علي بن مسهر، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن، قال: قال العباس بن عبد المطلب: " كنت جارا لعمر بن الخطاب، فما رأيت أحدا من الناس كان أفضل من عمر، إن ليله صلاة، وإن نهاره صيام وفي حاجات الناس. فلما توفي عمر سألت الله عز وجل أن يرنيه في النوم، فرأيته في النوم مقبلا متشحا من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم علي، ثم قلت: كيف أنت؟ قال: بخير، فقلت له: ما وجدت؟ قال: الآن فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي بي لولا أني وجدت ربا رحيما "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن عجلان، عن إبراهيم بن مرة، عن محمد بن شهاب، قال: قال عمر بن الخطاب: «لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين؛ فإن الأمين من القوم لا يعادله شيء، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تفش إليه سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل»
حدثنا الحسن بن علان الوراق، ثنا عبد الله بن عبيد المقرئ، ثنا محمد بن عثمان، ثنا يوسف بن أبي أمية الثقفي، ثنا الحكم بن هشام، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن الزبير، قال: قال عمر بن الخطاب: «إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرعبوا، ورهبوا فرهبوا، خافوا فلا يأمنون، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا فخلطوه بما لم يزايلوه، أخلصهم الخوف فكانوا يهجرون ما ينقطع عنهم لما يبقى لهم، الحياة عليهم نعمة والموت لهم كرامة، فزوجوا الحور العين، وأخدموا الولدان المخلدين»