هو ترك الشيء من اليد بشرط عدم الالتفات إليه بالقلب وإلا فلا يكون زاهداً بل يكون تاركاً وهو مقام وهذا المقام جامع لخمس مراتب المرتبة الأولى الزهد في الحرام المرتبة الثانية الزهد في الشبهة ولو كان ظاهره حلال المرتبة الثالثة الزهد في الحلال المرتبة الرابعة الزهد في الزهد يتناول الأشياء بيد الله تعالى المرتبة الخامسة وهو الأعلى وذلك أن يكون للولي الكامل العارف باقياً على صفة أهل (البداية) (الندامة) في الزهد وترك الأشياء من غير التفات إلى ترك ولا إلى قبولها بل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرضت عليه الدنيا بشرط أن لا ينقص من أخرته شيء فاختار أن يكون فقيراً فالزهد أسم لجميع هذه المراتب الخمس فمنهم من يكون زهده عما في يده ومنهم من يكون زهده عما في يد غيره وهذا الزهد الثاني فالقناعة شعبة منه ومنهم من يكون زهده عن سائر الأمور الدنيوية سواء كانت في يده أو في يد غيره وهذا الثلاث المراتب من الزهد مع مرتبتين بعدها كلها زهداً العوام ومنهم من لا يكون في يده شيء بل يكون فقيراً من أصل الفطرة فيكون زهده في طلب الدنيا وملذوذتها ومنهم من يكون زهده فيها لمعرفته بحقارتها فهو يطلب بزهده خيراً منها عوضاً عنها لمعرفته أن الآخرة أكبر درجات وأكبر نصيباً وهذا الزهد هو زهد النساك ومنهم من يزهد في الآخرة لوجه الله تعالى لأنه لو أشتغل بطلب الجنة يحتاج أن يجعل العبادة مما يطلب بها الجزاء وهذا شرك في الإخلاص فصاحب هذا المقام أولها يزهد في الدنيا ثم يزهد ثانياً في الجنة حتى يعبد الله خالصاً لوجه من غير نظر إلى جزاء وهذا أول منازل السالكين في طريق الله تعالى ومنهم من يزهد في رئاسته فيخلع العزاء في حب الله وهذا أول علامات المحبة والإرادة فيترك من مقام الترسم والتعزز إلى غاية الاطراح حقيراً ذليلاً.
شعر
تذلل لم تهواه أن كنت عاشقاً فما عاشق من لا يزل أو يخضع
ومنهم من يزهد في حظه مطلقاً فهو كلما رأى عمل من الأعمال لابسه حظ ترك ذلك الحظ وأخلصه لله فإن لم يقدر على ترك الحظ في ذلك العمل ترك العمل ولا يعمله لحظ نفسه إلى أن ينتهى به الأمر حتى يحب الله تعالى لا لأجل أن يكشف له عن جماله ولا لكى يتصف بصفاته بل يحبه سبحانه لكونه أهلاً أن يحب ومنهم من يزهد في رؤيته أفعال نفسه فلا يرى أفعاله إلا أفعالاً لله تعالى ومنهم من يزهد في صفات الحق ومنهم من يزهد في ذاته فيرحل عن شهوده لذات نفسه إلى شهوده لذات الحق تعالى ومنهم من يزهد في الكون بأسره فيرحل عن شهود الكون مطلقاً فلا يقع مشهوده أبداً إلا على الله تعالى فهذا لا يخطر بباله أن في الوجود شيء سوى الله تعالى أبداً بل لا يعرف إلا الله ولا يجد إلا الله ولا يبصر إلا الله فهو لله ومع الله وبالله قد أعماه الله عما سوى الله ومنهم من يزهد في المشاهد الأفعالية لتحققه بولوج المشاهد الصفاتية ومنهم من يزهد في المشاهد الصفاتية لتحققه بشهود المشاهد الاسمائية ومنهم من يزهد في المشاهد الاسمائية لوجود التجليات الذاتية ومنهم من يزهد في المجالي الذاتية لرجوعه من الحق إلى الخلق بالحق فهو الولي الكامل وهذا الزهد في المجالي المذكورة وما أشباها معنى وحكماً يعرفه أهله فلا يشكل عليك فإنه لا ينبغي أن يزهد العبد في الله ولا في شيء من أسماءه ولا صفاته بل يزهد في سائر الأشياء مما سواه لأجله ولكن في هذا المشاهد أمور فوقية وجدانية فإذا ترقوا في مشهد زهدوا فيما قبله لأنه لا يتصور لهم أن يرجعوا الفهم عن معرفة الله تعالى فزهدهم هذا لا باعتبار أنهم تاركون لتجلى الحق بل باعتبار أنهم مأخوذون عن تجلى أدنى إلى تجلى أعلى فهم لا يرجعون إليها أخذوا عنه فافهم.