هو السكون عند نزول البلاء وله علامتان الأولى عدم الشكوى من المبتلى الثانية عدم الملك من دوام البلاء والصابرون على مراتب فمنهم من صبره احتساب لله طلبناً بجزيل الثواب وسكوناً إلى صدق وعد من لا يخلف الميعاد وهذا هو صبر العباد وكافة أهل النسك وهو صبر معلول ومنهم من صبره لله لا من أجل الثواب فيحمل أعباء البلاء لأجل المبتلى رضا بقضائه وقدره وهذا أصبر السالكين ومنهم من صبره في الله يعنى في حب الله فلا يجد مرارة الصبر بل لا يجد مشقة البلاء ثم ينتهى في هذا المعنى إلى أن يلتذ بالعذاب كما يلتذ بالنعيم نظراً إلى فعل المحبوب كما قال سلطان المحبين وقدوة العاشقين الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض رضى الله عنه:
وتعذيب أم عذب لدى وحقكم ... على بها يقضى الهوى لكم عندي
ومنهم من صبره على الله وهو صبر المريدين فيصبر على حمل أعباء دوام التعلق بالله فيضبط الإحساس ويعد الأنفاس ولا يشتغل أبداً إلا بالله فلو اشتغل بشغل ما لكان مشتغلاً بالله في ذلك الشغل عن شغله كما قيل:
جرى حبها مجرى دمى في مفاصله ... فأصبح لي عن كل شغل بها شغل
ومنهم من صبره مع الله فلا يخطر به خاطر في غير الله كما قال بعض الشيوخ: (كنت بواب قلبي ثلثين سنة) يعنى صبرت مع الله فيها وما تركت القلب يسرح ويرتع في شيء سواه وهذا الصبر هو صبر العارفين ومنهم من صبره على الله لكن بالله وذلك أن العبد إذا وصل إلى الله تعالى وتحقق مقام البقاء في حضرة كنت سمعه وبصره قدر رجعه الله إلى الخلق لتكميله أو لتكميل غيره على يده فيرسل دونه حجاباً رقيقاً فيقف العبد خلف ذلك الحجاب وقد تأدب لكل مقام بما يلزمه من الأدب فصبره في هذه المرتبة عن الكمالات الإلهية هو الذى يسمى بالصبر عن الله وهو أشق الصبر وأمره وأصعبه ولكنه صبر المحققين.