هو التلقي من الحق بالحق على طريق الاستماع وهو الذكر الخفي والناس فيه على ثلاثة أقسام فمنهم من حركته طبيعية ومنهم من حركته روحية ومنهم من حركته رحمانية وكل واحد من أهل السامع لا يخلو أن تكون حركته أما عن باعث رغبة أو رهبة وأما عن باعث تهذيب وتأديب وأما عن باعث عشق وشوق وأما عن باعث أنس وبسط وأما عن باعث قبض وهيبة وأما عن باعث علم إلهامي وأما عن باعث وجد وأما عن شهود جمال وأما عن شهود كمال فهذه تسعة أقسام لا مزيد عليها فمن كانت حركته عن باعث رغبة أو رهبة فسماعه في مواطن التفرقة فمنهم من يسمع في قسم الأعمال وهى عشرة صلاة وصيام وصدق وسهر وصمت وعزلة وبكاء وندم وعفة وخدمة ومنهم من يسمع في قسم البدايات وهى عشرة التيقظ والتوبة والمحاسبة والإنابة والتفكر والتذكر والاعتصام والفرار والرياضة والسمع ومنهم من يسمع في قسم الأبواب وهى عشرة الحزن والخوف والإشفاق والخشوع والإخبات والزهد والورع والتبتل والرجاء والرغبة في الله أو في الجنة فهذه مراتب سماع المتحركين رغبة أو رهبة سواء كانت الحركة طبيعية أو روحية علمية أو عينية وسيأتي بيان الحركات في أخر الباب أن شاء الله تعالى وأما من كانت حركته عن باعث تهذيب وتأديب فسماعه أيضا في مواطن الفرقة فمنهم من يسمع في قسم المعاملات وهى عشرة أشياء وهى الرعاية والمراقبة والحرمة والإخلاص والتهذيب بالسلوك أو الخدمات والاستقامة والتوكل والتفويض والثقة والسليم ومنهم من يسمع في قسم الأخلاق وهى عشرة الصبر والرضا والسكر والجبا والصدق والإيثار والخلق والتواضع والفتوة والانبساط ومنهم من يسمع في قسم الأصول وهى عشرة القصد والعزم والإرادة والأدب واليقين والأنس والذكر والفقر والغنى ومقام المريد ومنهم من يسمع في قسم المخالفات وهى عشرة أشياء لا يكون المخالفات إلا في شيء منها وما عداها فلا يصح فيه مخالفة وهى هذه مخالفة للنفس في النفس بارتكاب الأهوال ومنعها من لذيذ الأحوال ودوام الرياضة بترك الطعام وترك المنام وترك الكلام واحتمال الأذى من الأنام ومخالفة في المال بالإيثار مع الحاجة وترك التسبب مع الفاقة ومخالفة في الأهوال بترك الأزواج والأولاد ونسيان أباء والأجداد والتجرد عن سائر الأقارب والأحفاد ومخالفة في الأسفار بترك الإعطان والترحل عن الأوطان وعدم تحديد السفر ببلد من البلدان ومخالفة في الحركات والسكنات من غير تأخر وملل أو ركون إلى كسل فلو أرادت نفسه القيام قعد وإن أرادتهما معا رقد وينبغي أن لا يرتكب بالمخالفة معصية ولا يهمل في طاعة ومخالفة في الرئاسات بترك الجاه وبفعل ما يسقط من عيون الناس وهذا ال---- من المخالفات يوجد في أربعة مواطن أحدها عدم إظهار الخير مع فعله باطناً الثانية إظهار الشر مع عدم فعله باطناً الثالثة ترك العادات وعدم موافقة أرباب البطالات الرابعة استعمال الحرف الدنيات ومجالسة من لا يشغلك من الإسقاط ما لم يعتقد أنك من أهل الولايات ومخالفة في الأصدقاء بترك الأنساب وهجر الأحباب ومقاطعة المعارف والأصحاب ومخالفة في الأعداء بالتذلل لديهم والإطراح عليهم وإظهار الحاجة إليهم ودوام الصفح عنهم مع الإحسان إليهم ومخالفة في الحواس الظاهرة وهى خمسة مخالفة في النظر ومخالفة في السماع ومخالفة في الشم ومخالفة في اللمس ومخالفة في الذوق وهذه المخالفة الذوقية تتفرع إلى المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمنكح وهى سائرة في جميع الأقسام التي قبلها فأعلم ومخالفة في الأمور القلبية وهذه المخالفة أصعب المخالفات فلا يوافق نفسه للانشراح في خاطر من الخواطر حتى تستقيم همته فلا يخطر به شيء سوى الله تعالى فالمخالفات جميعها منحصرة في هذه العشرة أقسام وأما من كانت حركته عن باعث عشق وشوق فسماعه قد يكون في مقام التفرقة و يكون في مقام الجمع فمنهم من يسمع في قسم الأحوال وهى عشر المحبة والغيرة والشوق والقلق والعطش والوجد والدهش والهيمان والذوق والبرق ومنهم من يسمع في قسم الفروع وهى عشرة الكلام مع المحبوب والسامع منه والبشارة والتذكرة والتوعد والتهدد والقرب والبعد والفراق والوصال وأما من كانت حركته عن باعث أنس و بسط فسماعه قد يكون في مقام التفرقة وقد يكون في مقام الجمع وهذا السماع مخصوص بالواصلين وأهله على قسمين أما ذاهب في الحق وأما راجع من الحق إلى الخلق فهذا جملة أقسام أهل السامع على سبيل الأجمال وجميع أقسام أهل السماع تنحصر في ثلاثة أصناف واجد ومتواجد وموافق وحركاتهم تنحصر في أربعة مواطن فتكون أما عن علم يقين أو عين يقين أو حق يقين أو حقيقة يقين وقد تقدم في صدر الكتاب تقسيم أهل السامع على أربعة أقسام ناسك وسالك ومحب ومجذوب وفيما بيناه غنية والله الموفق لا رب غيره.
وأعلم أن الحركة الطبيعية من لازم البشرية والمتمسكون فغالب حركاتهم طبيعية فكأنها مخصوصة بمقامهم فلو صدرت منهم حركة روحية بحكم النادر التحق أمرهم في ذلك السماع بدرجة السالكين من هذا الوجه ثمرات الحركة الطبيعية قد تصدر من الجاهل وقد تصدر من أهل الطريق وبحركة كل منهما علامة سيأتي بيانه في هذا الباب أن شاء الله تعالى وأما الحركة الروحية فهى من لازم التصفى والخلوص من كدورات النفس لأن الروح لا تتقوى إلا بضعف النفس ولا تظهر أثارها ألا بخفاء أثار النفس وهذه الحركة تصدر غالباً من السالكين فإن صدرت منهم حركة رحمانية التحق لـ(....) في ذلك السماع بدرجة العارفين أما الحركة الرحمانية من لازم الفناء عن سائر الأمور الخلقيات والبقاء بالصفات الإلهيات وهذه الحركة مخصوصة بالمجذوبين من عالم الأكوان إلى حضرة الرحمن والناس فيه على أطوار مختلفة فمجذوب إلى تجليات الأفعال ومجذوب إلى تجليات الصفات ومجذوب إلى تجليات الأسماء ومجذوب إلى تجليات الذات ومجذوب فانً ومجذوب باقً ومجذوب مستمع ومجذوب مشاهد ومجذوب واجدً ومجذوب محقق ومجذوب كامل ومجذوب أكمل وللحركة الطبيعية علامتان مخصوصتان بأصحابها فعلامة تختص بأهل البطالة وعلامة تختص بأهل الطريق العلامة الأولى المختصة بأرباب البطلات وإن كان مباحاً فحرام على أهل الطريق لأنه يكون المتحرك غير ناظر إلى أمر معين ولا ملاحظاً المقام المطلوب مما يختص بأمر الحق أو يلتحق بأمر الخلق فتكون حركته طبيعية محضة وذلك لأن النفس بما فيها من أشجان المحبة الشهوانية الكامنة في سائر النفوس وأما عندها من التعلق بثمرات العبادات الظاهرة والباطنة تنصرف بالكلية لأسماع الأغاني من المغاني فلا تبقى عندها فضلة علم تميز به ما يرد من ذلك الجناب فيصدر عنها حركة طبيعية شبيهة بحركة المرتعش من غير اختيار فإذا رجعت عن ذلك الانصراف إلى محل التمييز تجد عندها حرقة ولوعة يظنها الجاهل بإحكام الطريق أنها حرارة نار المحبة الإلهية أو من لهبات جدوة الندم على فوت الطاعة وليس الأمر ذلك إنما هى حركة النفس عند اشتغال نار الإهوية المتفرقة ولأجل هذا يجد عنده بعد ذلك ظلمة ووحشة وهى ظلمة الطبع ووحشته وهذا السماع مخصوص بعبيد النفس وليس صاحبه من الطريق على شيء ولا تجد عنده لهذا السماع نتيجة غير طربه عند الحركة.
العلامة الثانية المختصة بأرباب البداية من عوام أهل الطريق وهو أن يكون الباعث الأول عن شهود علم من علوم التوحيد أو وجود حال من أحوال المحبة فينهمك فيه العبد بالكلية حتى يتحرك وهو مأخوذ عن ذلك الشهود العلمي أو الوجود الحبى فيتحرك بطبيعة النفس حركة ضرورية لضعفه عن الرجوع بعد الانهماك فلا يستطيع أن يمتنع من الحركة بعد فقدان ما يحرك بسببه من الباعث المذكور وصاحب هذه الحركة يجد عنده بعد الرجوع إلى التمييز فسحاً وانشرحاً وزيادة في المحبة وحسناً في المقعد فهو أعلى من الأول ولو كان غير محمود عند الطائفة فأفهم فمثل هذا معذور لضعفه باطناً وينهاه شيخه عن ذلك ظاهراً وينبهه لموضع الحرج من هذا السماع حتى تصير حركته روحية وللحركة الروحية علامتان مختصان بأربابها فعلامة تختص بأهل الحجاب من أصحاب أهل الطريق وعلامة تختص بأهل الكشف العلامة الأولى المختصة بأهل الحجاب وهى أن تكون حركة المتحرك عن غلبة روحانية لظهور سلطان المحبة أو بطون أحكام النفس عند ورود علم لدنى إلهى بطريق الإلهام على قلب العبد فيتحرك لا لحسن النغمات ولا يزال في الحركة مأخوذاً عنها إلى ما يحرك بسببه من لوازم العشق والمحبة أو من موارد العلم والمعرفة وشرطه أن يسكن من الحركة عند بطون ذلك الحال وذهاب ذلك الوارد وإلا فتكون حركته طبيعية وقد حكى عن الجنيد رحمه الله أنه تحرك يوماً عن غلبة فسقط عليه ثوبه فرفعه بيده وسئل عن ذلك فقال: (تحركت عن غلبة ثم رجعت إلى نفسى فاستحييت من الله تعالى أن أظهر خلاف ما أنا عليه فرفعت ثوبي)
العلامة الثانية المختصة بأهل الكشف وهى أن تكون حركة المتحرك عن غلبة روحانية للسطوع بارق أو ظهور شارق من السواطع واللوامع أو لشهود حكمة ترتيب الوضع الإلهي للعالم أو للكشف عن أحوال الملكوت الأعلى أو للوقوف على السر الإلهي المودوع في النفس أو في العقل أو في الروح أو للسير في عوالم الجبروت بمشاهدة العرش والكرسي واللوح والقلم والملائكة الكروبيين أو للاطلاع على المناسبات الإنسانية لهذه العوالم أو بالرجوع إلى الأزل أو اللحوق بالأبد وأمثال ذلك الأسرار الإلهية والحكم الربانية فأفهم وللحركة الرحمانية علامتان أدنى وأعلى أحدهما مختص بأهل الفناء والسحق والمحق والثانية مختصة بأهل البقاء والاتصاف والتحقق العلامة الأولى أن تكون الحركة في العبد لله من غير اعتقاد حيز أو حلول ولا مزج ولا اتحاد والعبد مأخوذ عن الحركة بالكلية ليس له فيها تصنع ولا بها علم فلا ينسب الحركة إلى نفسه بوجه من الوجوه وسماع مثل هذا أما عن وجود للذات وأما عن شهود للصفات وأما عن غيبوبة بالفاعل الحقيقي عن الفعل في سائر الحركات والسكنات.
العلامة الثانية أن تكون الحركة لله باطناً وهى منسوبة إلى الله ظاهراً وسماع مثل هذا لها في الاتصافات الرحمانية وأما في الكمالات في الإنسانية وهو أعلى طبقات السماع فأفهم والله يقول الحق ويهدى للمطلوب.