هى ملاحظة الحق في الحركات والسكنات وأسم المراقبة يصدق على العبد في أول مرتبة من مراتب الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لك تكن تراه فهو يراك) المعنى فإن لم تستطيع أن تكون في عبادتك له كأنك تراه فكن معتقد فيها أنه يراك وشرط هذا الاعتقاد أن يكون الاعتقاد ملحوظاً عند العمل هذا أول مقام المراقبة في البداية وأخره في النهاية أول مقام التجلي وبينهما مراتب كثيرة ولهذا الحديث تأويل أخر وهو أن يكون المراد في قوله (فإن لم تكن) يعنى أنت أي أن لم تكن أنت موجود فحينئذ تراه به فتكون برؤيتك له غير رؤيته لنفسه وإن شئت قلت غير رؤيتك لك وإن شئت قلت رؤيته لك أو رؤيتك له وإلى هذا أشار بقوله فإن فإنه يراك أي فتكون الحالة بعد فنائك أنه يراك فأفهم.
والمراقبون على درجات فمنهم من يكون مراقباً لحروف اسمه الله فيصور حروف الاسم وتركيبه في خاطره ويشاهدها ببصيرته ومنهم من يكون مراقباً لحروف أسمه الله في الظاهر لا من موضع مخصوص بل من سائر الأماكن والجهات وكيفيته بأن يتولع في استخراج قرأته هذا الاسم من كل سوى (....) فلو تأمل في يده لوجد الاسم مكتوباً وذلك بأن يتخذ الخنصر ألفا والبنصر والوسطى لامين والسبابة والإبهام هاء لأنها لمن عقدا فهاء مدورة ولن فتحا فهأ ممشوقة وكذا مطالع وضع هذا الاسم في سائر أعضائه وفى سائر ما يراه من الأشجار والأحجار والحيوان وغير ذلك فلا يمر بشيء ولا يمر به شيء إلا ويشاهد حروف هذا الاسم مكتوبة فيه ومن توغل في هذا الفن فتح عليه فيه حتى ينتهى فيه فيترقى من الحروف إلى المعنى وهذا باب كبير وسهل على من سهله الله عليه ومنهم من يكون مراقباً لاطلاع الحق عليه ومنهم من يكون مراقباً لمعية الحق تعالى من غير اتحاد ولا حلول ومنهم من يكون مراقباً لأسمه العظيم فيستحضر صفة العظمة الإلهية في قلبه وكذلك باقي الأسماء والصفات ومنهم من يكون مراقباً لذات الله تعالى فيصور في قلبه عجز نفسه وحقارتها وقد حضرت بين يدى الله تعالى والحق يتجلى بعظمته وقدرته ومنهم من يكون مراقباً لظهور الحق تعالى في الوجود من حيث أسمه الظاهر وهذا أعلى مقام في المراقبة وفيه يكون حصول البوادة والبوادى ومنه ينتقل إلى مقام التجلي.