هى عبارة عن نزول الكامل بربه من مرتبة الربوبية إلى مرتبة العبودية استيفاء للمراتب وشمولاً للكمالات لأن هذا الدار دار حصر وتعيين فيظهر فيه بما يليق بهذه الحضرة المحصورة المعنية من أحوال العبودية والعجز والافتقار وأمثال ذلك لئلا يصدر منه خلاف ما تقتضيه الحكمة إذ هو الأولى بجمع الكمالات وإعطاء الحقائق حقها من النعوت والصفات كل شتى على حسبه وفى محله لأن القادر لا يخشى الفوت وفى هذا المقام مائة درجة أولها الرجوع من الحق إلى الخلق بالحق وأخرها درجت الوسيلة التي هى من خصوصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في كتابنا المسمى بالإنسان الكامل فليطالع هنالك وأعلم أن الفرق بين العبودية والعبودة أن العبودية عبارة عن خلوص أعمال العبد لله والعبودية عبارة عن قيامه بالله ولا يصح ذلك إلا للواصلين الكمل من أهل الله الذين أشار إليهم الحق في قوله في الحديث القدسي: (أكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها) فهذا بالضرورة تكون أعماله بالله لأن الحق تعالى كان ظاهره وباطنه فظاهره من حيث الأعضاء الجسمانية لذكره الرجل واليد فإنهما أعضاء ظاهرة وباطنه من حيث القوى الروحانية لذكره السمع والبصر اللذان هما باطناً دون الأذن والعين اللتان هما ظاهرتان وعلامة من تحقق بهذا المقام أن تنفعل الأكوان لجوارحه فلو مر بيده على الأكمة والأبرص أبراه بإذن الله ولو قال لميت عش لعاش أو قال لحى مت من لمات ولذلك سائر جوارحه تظهر ما يناسبها من الانفعالات كالرجل في ظهورها بالخطوة واليد بالقدرة والقلب بالعلوم الغيبية وأمثال ذلك فالعبودة عبارة عن مقام هذا الرجل إذا تنزل من مقام الربوبية إلى مقام العبودية وهذا هو المشار إليه بختم الأولياء وبه ختمت الكتاب والله الموفق للصواب وكان الفراغ من إملائه وتسويده في هذه الورقات لساعتين بقيتان من
نهار الأربعاء سائح رجب الأصب أحد شهور سنة ثلاثة وثمانون بخط يد العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم ابراهيم عبد الكريم الكيلاني الصوفي لطف الله تعالى به بالقاهرة المحروسة.