بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أقام فى مقامات القرب أقدام الرجال ونبههم لما برز منه عليهم من تجليات الجمال وسطوات الجلال فجعلهم فى الوجود صورة شهوده بمعانى الكمل صلى عليهم بذاته فتحلوا بأسمائه وصفاته سبقت لهم هباته فى الأزال والآباد فى شهود وحدانيته أحمده حمداً لئقاً بمكان الإلوهية واجباً بمجالى الهوية لفنون الكامل المطلق كما هو يستحقه فى ذاته وأشكره شكراً متصلاً متواتراً لآلاءه موازياً لأنواع النعمائه عليه بما هو أهله.
أشهد أن لا إله إلا الله الأحد بذاته الواحد فى أسمائه وصفاته المتجلى بحقيقة التنزيه فى مجالى (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) من جميع جهاته ذو الكمال الجامع والنور الساطع والمجد القامع والعز الشاسع والجود الواسع والفخر الشائع والبرهان القاطع والظهور الباهر والبطون الفاخر والحكمة القادر والبهاء الزاهر والأمر الباتر والجمال الظاهر والجلال القاهر والكمال السائر والحجاب الساتر الكبير الذى تنزه عن الحد والواحد الذى تقدس عن العد ظهر فى مخلوقاته بأسمائه وصفاته وخفى عنهم لشدة ظهوره بذاته أوجد الأشياء من مطلق العدم وأبقاها بعد وجودها على حكم ما كانت عليه من الفناء فى القدم فهى موجودة العين مفقودة الأثر مجهولة المعنى مشهودة الصور تحركه يمينه ويسره أيادى القدر وهى مستورة بها عنها فى مطالع تلك الغرر فليس يوجد مع وجوده الحق من وجود وليس للعابدين ملك عبادة لأنه الفاعل بهم للعبادة فهو العابد والمعبود أخفى ظهور جمال المشهود بجلاله فى شاهد الوجود.
شعر
وبدى فأخفى العالمـــــــــــين ظهوره | وتلاشت الأشياء للمشهود |
وتكــــــــــــاملت أوصــــــــــــافه فتعينت | فى العابدين بهجة المعبـــــــــــــود |
شهدوا الجمال وقد بدا فتحققوا | بفناء كــــــل محقـــــــــق بوجــــــود |
فـــفنــــــاهم لمــــــــا رأوا أعيـــــانهـــــــــــــــــــــــم | فتحققــــوا فى طمسه المفقود |
وأراهــــــــــــــم ما فيهـــــــــــــــم من ســـــــــره | فبقـــــــــــوا به فى وصفه المورود |
لله ذر منـــــاظــــــــــــر ومشاهـــــــــــــــــــــــــد | جذبــــــوا إليها عنهم بشهود |
فتحققـــــــــــوا بصفاته فى ذاتهـــــــــــــم | من غير حل ممازج محدود |
فالــــــــذات ذاتهـــــــــــم لمقلة ناظـــــــــر | والوصف وصف الله ذى التمجيد |
فهمُ بُهمُ فى شامخ الأطوار من | خمر الوجود بسكـــــرة التوحيـــــــــــد |
غابـــــــــــــــوا فلا علم ولا أثــــــــــــر ولا | سمع ولا بصر سوى التفــــــــــــــــــريد |
فهم وإن غابوا خضرتم فى الورى | متمتعــــــــــين بلـــــــــــــــــــذة وسعـــــــــــــود |
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله المكرم وحبيبه المعظم وعبده المبجل المفخم الذى حلاه بأوصافه وعمه بألطافه وكشف له عن أستاره وأعلمه بأسراره فظهر على قلبه الكمال وأظهر على جوارحه صفات جماله والجلال فكان الله سمع محمد ولسانه وبصره بمعنى الحديث النبوى لا بمعنى الحلول وبنانه وكان محمد رحمة من ربه فى العالم ظاهراً بأوصافه وأسمائه الحسنى وهو واحد من بنى أدم صلى الله عليه وسلم وعلى إله وأصحابه وأزواجه وشرف وعظم ومجد وكرم.
أما بعد فإني لما رأيت قصور الفهوم عن أطوار المعانى ووقوف العلوم على ظاهر ألفاظ الأغانى أردت أن أفتح باباً لأهل السماع على حسن الاستماع وأكشف نقاباً لأهل الأغانى عن مخدرات المعانى المحجوبة عن عيون العامة بصور ألفاظ المغانى فاستخرت الله تعالى مدة من الزمان وبرهة من الأوان فى وضع كتاب ظاهر التحقيق باهر التدقيق محكم المسائل غير مشتبه العقا يل صريح طلائع الغرر مفسر لكنايات معانى الصور مقرب للبعيد محصل للشديد مبيناً على الكشف الصريح مؤيداً بالكتاب أو الخبر الصحيح أو مفهوماً بقرائن النقل ووسائط العقل الرجيح ولم أزل أقدم يمينة وأخر يسرى حتى أذن لى فى وضع هذا الكتاب المسمى غنية أرباب السماع فى كشف القناع عن وجوه الاستماع فاستعنت بالله تعالى فى ترتيبه وتهذيبه وكرسته على مقدمة وثلاثة أبواب فأذكر فى المقدمة نبذة من شيم أهل الطريق أشرح فيها مراتب الفريق وأذكر فى الباب الأول مائة لفظة مما يتأولها الفصحاء فى نظم الشعر ويتناقلها البلغاء فى السلوك فواصل النثر فأشرحها على قدر السامعين كل لقطة مما يتعلق به على طريق التأويل بالتعيين ليقيس عليها المستمع ما عداها من الألفاظ لأن الباب إذا فتح سهل الدخول منه والله الهادى.
وأذكر فى الباب الثانى عشرة قصائد وأشرح كيفية السماع فيها لأهل الاستماع على تفاوت الدرجات والطباع.
وأذكر فى الباب الثالث جملاً من المقامات وكيفية اختلافها فى أرباب الدرجات وطرفاً من كينونة الرجال فى سائر المقامات والأحوال طالباً بذلك وجه الله تعالى راجياً أن يجعله لى ومن نظر فى هذا الكتاب ممن أيد بالحكمة وفصل الخطاب أنه ولى الإجابة وهو الموفق للإصابة.