القصيدة الرابعة وهى من نوع المديح:
جعلتها أنموذجا لمعرفة جمل ما يرد على المستمع في هذا الباب ولم أجعلها باسم شخص مخصوص ولكنى ذكرت فيها كنية مخصوصة لمجهول حتى استوفى بذلك وجوه صنف المدح ليقيس بذلك الناظر في هذا الكتاب على غيره والله الموفق وهى سبعة عشر بيتا
البيت الأول والثاني والثالث:
أغيث مما مردونه البرق ويلمع أم اللجة الخضراء بالموج تدفع
أم الشمس عمر العالمين ضياؤها أم الذاريات اللاقحات تصنع
أم الملك السلطان ظل يصب من يديه سحابا غيمه ليس يقشع
وجه السماع للناسك يقول هل الأمر الذى انقذني من مهلكات الذنوب وحملني على طاعة علام الغيوب بعد أن كنت لا استطيع ترك المعاصي هو غيث هما من دموعي لما ندمت وبكيت لأن الندم توبة أم اللجة الخضراء يعنى به قلبه بالموج تدفع يعنى لما مالت وماجت عن الذنوب ورغبت في الطاعات أم الشمس عمر العالمين ضياؤها يعنى شمس الهداية لما اتضحت أم الذاريات اللاقحات يعنى سوابق العناية تصنع يعنى تفعل أنواع الصنيع والجميل أم الملك السلطان يعنى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ملك الموجودات وسلطان العوالم كلها ظل يصب من يديه يعنى بالدعاء عند الشفاعة يصب سحاباً غيمه ليس يقشع يعنى لا تزول شفاعته لأمتي في الدنيا والآخرة وتقرير الأمر عنده أنه بشفاعته لأن الاستفهامات إذا تكررت تكون المراد منها الأخيرة كذا جرت عادات البلغاء وقد قال تعالى: (أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون) يعنى ما أنتم أنزلتموه بل نحن المنزلون له.
وجه السماع فيه للسالك يقول هل الأمر الكاشف عن حقيقة المشهود للعبد في مقام الوصال والوجود هو بواسطة العقل والفكر أم بواسطة النفس القابلة لصورة الوجود أم بواسطة الروح الإنساني أم بواسطة السر الإلهي المعبر عنه بالروح المنفوخة في آدم أم بغير واسطة بل بالله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل فجعل العقل بمنزلة الغيث لأنه سبب لخرج صور الفكر في الذهن كما أن الغيث سبب لنبات الأزهار في الأرض وجعل اللجة عبارة عن النفس لأنها عظيمة الشأن لإيهامه لعجائبها فهى كالبحر الذى يموج لما في النفس من قابلية صور العالم وجعل الشمس عبارة عن الروح لأنها مضيئة على أرض الجسم وبها حياته كالشمس وجعل الذاريات اللاقحات عبارة عن السر الإلهي لأن بواسطته يحصل اللقاح في الأرواح أذا لولا ما أودع الله الأرواح من أسراره لما عرفوه وجعل الملك لسلطان عبارة عن القلب المخصوص المشار إليه بقوله: (ما وسعني سمائي ولا أرضى ووسعني قلب عبدى المؤمن) ولا شك أن هذا الوسع وسع معرفة وعلم ولا (.....) كما أن المراد بالسماء أهل السماء وبالأرض سكانها كما قال تعالى: (وأسأل القرية) التي كنا فيها يعنى أهلها وهذا الحديث يدل على أن الإنسان أعرف المخلوقات بالله من الملائكة، صلى الله عليه وسلم لما أشار في ليلة المعراج عند أن قال له جبريل لو تقدمت لاحترقت فمقام جبريل مقام معرفة الله بالوساطة ومقام محمد صلى الله عليه وسلم مقام معرفة الله بغير واسطة فلهذا كانت الجميعة الكبرى والخلافة في الإنسان دون غيره لأن المعارف مع عدم الواسطة عند الله أعلى وأشرف ممن عرفه بواسطة شيء سواء كانت أسمائه أو غيرها.
وجه السماع فيه للمحب فيه يقول ظهور المحبوب لي هل هو ليغيثني بالوصال لما علم أنى مضطر إليه أم هو وصف من أوصافه فيظهر تارة ويخفى أخرى فهو يموج كما يموج البحر أم ذلك شمس جماله عم الوجود ضيائه فهو ظاهر لعين كل ناظر صحيح النظر فاحتجابه عنى أنما كان بواسطة خلل في النظر كما قيل:
قد تنكر العين ضوء الشمس من زيد وينكر الفم طعم الماء من سقم
أم الذاريات اللاقحات كنى بذلك عن جود المحبوب بمعنى أنه واصله من غير علة ولا سبب بل محض الفضل المدخر في خزائن الجود أم الملك السلطان يعنى أم ظهوره وكشف حجابه عن بصيرتي لأجل أنى مظهره إذا الصنعة مظهر الصانع فظهوره لي لكون النور المودوع في نظري وبصيرتي أنما هو بقوته وقدرته وإرادته وفعله وقضائه فارتفع نسبة حقيقة الرؤية عنى وصحت نسبتها لله تعالى فإذا ظهر على عبده فإنما يشهده العبد به لا بنفسه فهو الشاهد والمشهود المنزه عن التعدد والمقدس عن الحد والحلول والامتزاج في الأزل والأبد فلهذا جعل هذا المشهد فكنى عنه بالملك السلطان لتمليكه الوجود.
وجه السماع فيه للمجذوب فيه يقول هل الأولى بحال الولي تعلقه بالتجليات الفعلية من أسماء صفات الأفعال أم تعلقه بتجليات أسماء الصفات أم تعلقه بتجليات الأسماء الذاتية كاسمه الله والأحد والواحد وأمثالها أم تعلقه بتجليات الصفات الذاتية كاسمه الرحمن وأمثاله أم تعلقه بمطلق الذات الإلهية المقدسة من غير طلب ظهور تجلى صفة أو أسم فكأنه يقول بل تعلقه بمطلق الذات أولى ولهذا جعل الملك السلطان عبارة عن ذلك يعنى انه شرف في حق العبد وجعل الذاريات اللاقحات عبارة عن تجلى أسمه الرحمن لكونه قد ورود: (أنى لأجد نفس الرحمن) فجعل اللاقحات الذاريات إشارة إلى النفس لأن النفس المعتاد ريح وجعل النفس إشارة عن تجلى الرحماني وجعل الشمس إشارة عن الاسم الله وقد ذكر ذلك القونوى في كتابه فقال أن الشمس بين الكواكب مظهر أسمه الله بين الأسماء وجعل اللجة الخضراء عبارة عن تجليات الصفات لأنها لا نهاية لها وجعل الغيث عبارة عن تجلى الأفعال لأن الإغاثة إنها تحصل بواسطتها فأفهم وإياك أن تحمل شيئاً على معنى التشبيه أو التجسيم أو الحلول تعالى الله عن ذلك وإنما جرت سنته أن يتجلى على عبادة بلا كيف.
أبو الحسن والإحسان خير مملك له الأمر يعطى من يشاء ويمنع
وجه السماع للناسك فيه يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبو الحسنين يعنى جد الحسين والحسين صلى الله عليه وسلم فجعل الحسن والإحسان أحدهما كناية عن الحسن والإبداع خير مملك في أمر الخلق يعطى من يشاء بإذن الله ويمنع من يشاء بإذنه.
وجه السماع للناسك فيه يقول أن الإحسان في حق السالك شهود أثار عزة الحق تعالى من غير واسطة النظر إلى المخلوق لأن جميع ما في المخلوقات هو من عطاياه ومنعه تعالى فهو المعطى والمانع خير ملك سبحانه.
وجه السماع للمحب فيه يقول هو أبو السحن يعنى المحبوب صاحب الحسن المطلق الذى من حسنه أنه متجلى في الموجودات بغير حلول وهو ذا الإحسان والفضل الذى أعد الوجود بتجليه فيه خير ملك متصرف يعطى ويمنع.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن التعلق للولي بمطلق الذات أعلى أو أحسن واسما في حقه من التعلق بالأسماء والصفات في تجلياتها فإن الجميع راجع إلى الذات لأنها هى المعطية والمانعة فالعطاء والمنع اللذان هما فعلان والمعطية والمانعية اللذان هما رجعاً جميعاً راجعة إلى الذات فالمتعلق بالذات أحسن حالة واسما وأعز مكانة تخلقاً وتحققاً صورة ومعنى وإليه أشار بقوله أبو الحسن والإحسان وأعنى بالتعلق حال الولي في حضوره مع الله تعالى.
جواد يرى العافين تعطيه نفسها إذا قبلت منه الذى هو يجمع
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه الإشارة إلى أن مقام الجمع لا يظهر فيه للمخلوقات أثر فصاحب الجمعية يشهد أن الموجودات بأسرها قد أعطيت الحق نسبة الوجود المطلق وتبرأت (.....) عن دعائه وإلى مقام الجمع الإشارة بقوله الذى هو يجمع.
والمقصد للمحب فيه يقول أن المحب الصادق في محبته جواد لا يبخل ببذل النفس لأنه يرى أن مقام العشق يقتضى بذل الروح فلا عاشق إلا من أثر معشوقه كليته فلا يلتفت إلى ما سواه وأراد بالعافين بالعاشقين كناية عن العاشقين تعطيه نفسها إذا قبلت منه الذى هو يجمع يعنى إذا عشقته لأن العشق رابطة تجمع بين المحب ومحبوبه وذلك أن الروح إذا تعشقت بأمر ما لا تزال مشاهدة لصورة ذلك الأمر وهذا المشاهدة هى التعشق لأنها شهود ضروري ومن هنا أن مجنون ليلى لما أجبته محبوبته وكلمته قال لها دعينى فإني مشغول عنك بليلى وذلك أن الصورة الروحانية قد تعشقتها روح قيس فهو مع تلك الصورة في شهود دائم ولهذا قال بعض الصوفية أن المحبة أعلى من المعرفة لأن المعرفة له من علمي وحقيقة المحبة هو العشق وهو شهود عيني لا يمكن فيه الغيبوبة بوجه من الوجوه قطعاً.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن العارف المتصف من صفات الله تعالى باسمه الجواد تتجلى عليه الأسماء الإلهية بمعنى الجود فيجد له في كل صفة من تلك الصفات المتجلي بها عليه أتصاف فيتصف بجميع الصفات وهذا معنى قوله يرى العافين تعطيه نفسها يريد بذلك أن الصفات الإلهية تعطيه الاتصاف بها إذا قبلت منه الذى هو يجمع يعنى إذا أقبل هو عليها بكليته.
فلو جاد بالدنيا جميعاً لسائل لهم بأن يعطيه أمرى فيشفع
وجه السماع للناسك مدح النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه واهب خير الدنيا والآخرة بشفاعته.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن لسالك أن جاد بظاهره لا ينبغي أن يكتفى بذلك بل يجب عليه أن يجود بباطنه يعنى عقله وفكره وقلبه فيقف بالجميع على باب الله تعالى ويجود بهما فلا يلتفت إلى القضايا العقلية ولا يأكل من ثمرات فكره بل يتجرد عن علومه ومفهومه جميعاً فيكون واقفا في باب الله تعالى ليمنحه الله من خزائن جوده ما هو أهله فقوله فلو جاد بالدنيا يريد أن السالك إذا تجرد عن ظواهره لابد أن يجود ببواطنه حتى يقف بباب الله تعالى.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن المحب ينبغي له أن يتجرد في حب الله عن طلب الدنيا والآخرة فإن جاد بالدنيا وطلب الآخرة فليس بمحب لله بل هو محب لراحة نفسه في الدار الآخرة فشرط المحبة أن يجود بالدنيا وما فيها وبالأخرى وما هى عليه ولا يتعلق تحت شيء من الأكوان بل يتجرد لحب الله تعالى وحده فقوله فيشفع يريد هنا من الشفعية يعنى ترك حب الدنيا بترك حب الأخرى.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن الكامل إذا أثنا على الله تعالى بحقيقة الاتصاف بصفاته العليا وأسمائه الحسنى الذى يعرفه بها أهل الدنيا لا يقنع ولا يكتفى بذلك بل يطلب أن يثنى عليه بأسمائه وصفاته المدخرة لأهل الآخرة فإن أهل الآخرة يكشف لهم عن صفات وأسماء لله لم يكونوا يعرفونه بها في دار الدنيا وقد أشار الحديث إلى ذلك لقوله عليه السلام: (فأثنى عليه بمحامد لم أحمد بها من قبل) أو بما معناه يريد أن الله تعالى يلهمه ويعلمه يوم القيامة ما لم يكن يعرفه به في الدنيا هذا معنى الحديث.
كريم جدود ليس يعرف مثله عظيم صفات مثله ليس يسمع
يعنى لا شبيه له في الذات والصفات.
وجه السماع للناسك فيه يقول أن النبي عليه السلام كريم الجدود طاهر النسب لأنه من خير العرب ومن ذرية إبراهيم وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء عظيم الصفات لان الله تعالى مدحه لها فقال له: (أنك لعلى خلق عظيم)
وجه السماع للسالك فيه يقول أن الطريق إلى الله مبنى على أصول كريمة ليس لها مثل وفورع شريفة ما لها شبيه فكنى بالجدود عن الأصول وعن الفروع بالصفات فأصول الطريق مثل المخالفة والمراقبة وفروعها مثل دقائق الورع وحقائق الفهم والتمييز الذى لا نظير له.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن المحبوب لا شبيه له في الذات ولا في الصفات فالجدود هنا جمع جدو وهى السعادة.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن الإنسان من حيث هو هو كريم جدود يعنى أصله ومحتده من نور الحق تعالى فهو كريم الأصل لأنه من الله تعالى كما أخبر عليه السلام في قوله: (أنا من الله والمؤمنون منى) فالنتيجة المنطقية أن المؤمنون من الله تعالى ويكفيكم هذا الشرف نسبة إلى الله تعالى فليس في العالم أحد بهذه المثابة في المكانة لأن الله تعالى قال: (ولقد كرمنا بنى آدم) ولم وأمر الملائكة لهم بالسجود ولا في العالم سواه من هو له عند الله هذا القدر وقال فيه عظيم صفات مثله ليس يسمع يعنى لغيره لا يسمع بمثل تلك الصفات لأنه حي عليم مريد قادر سميع بصير متكلم وهو للسبعة بالاتفاق أنها صفات الله تعالى وهى للإنسان دون غيره من سائر المخلوقات فهو عظيم صفات ولهذا استحق الخلافة لأن الله تعالى خلقه على صورته ومن ثم قال مثله لا يسمع فالإنسان مقتضى الكمال المطلق لأنه كمال الذات والصفات.
أبو مكرمات لو فتشت صغيرها وجدت نداها من ندى البحر أوسع
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن الطريق أبو مكرمات يشير إلى قول بعض الشيوخ (إياكم ونبات الطريق) يعنى الكرامات لا تشتغلوا بها لو فتشت صغيرها يعنى أصغر كرامات الطريق وجدت نداها من ندى البحر أوسع.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن المحبوب ذو صفات عظيمة لو فتشت عن ألطفها وجدت فيها من الجلال والعظمة ما هو أعظم من البحر الذى لا تناهى له.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن الإنسان الكامل أبو مكرمات ذاتية في وجوده لو فتشت صغيرها يعنى لو كشفت لك عن أصغر صفاته بالنسبة إلى غيرها لوجدت ذلك أوسع من البحر المحيط فاشتغل بمعرفة ما أودع الله تعالى فيك من صفات كماله وجماله وجلاله.
وذو شرف لو أن كسرى وتبعازليه لناس الأرض كسرى وتبع
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي بذلك فلو عرفه كسرى وتبع وأمثالهما لأمنوا به.
وجه السماع للسالك يقول أن الطريق إلى الله تعالى فيه شرف الإنسان فلو عرفته الملوك الأكاسرة والتبابعة وأمثالهم لتركوا ما هم عليه وسلكوا طريق الحق تعالى ولكنهم كانوا محجوبين بدنياهم على حقيقة شرف الطريق ولهذا قال الأمام الزاهد أعرف الناس بهذا الأمر لأنه ذاق الحالتين إبراهيم بن أدهم: (لو عرف الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف) ولهذا قال غيره بعض الشيوخ لو أن قائل هذا الكلام غير إبراهيم بن أدهم لقلنا يحتمل أنه لم يذق ما عليه الملوك وأبناؤها من اللذة والشرف وطيب الحال ولكن الأمر كما قاله رضى الله عنه وعنهم أجمعين فالسالك يقول أن شرف الطريق لو كشف عن مثل كسرى وتبع لأطرحوا في الأرض وتجردوا عن ملكهم طلباً للتشرف بالطريق.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن محبوبه ذو شرف وعزة فلا سبيل للوصول إليه إلا من طريق الزلة والافتقار فلو طلبته ملوك الدنيا والآخرة لابد لهم من بوس الأرض يعنى من التذلل والخضوع إلى أن يمن عليهم بجذباته الإلهية.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن شرف المحتد وعلوه موجود في سائر النوع الإنساني فلو كشف عن ذلك لمثل كسرى وتبع على ما كانوا عليه من الملك لرأوا أن ملكهم كالأرض تحت عزة سماء هذا السر الإلهي المودوع في هذا الخليفة وأولاده ولأجل هذا استحق أن يكون معبوداً لخواص الملائكة المقربين من أول قدم في هذا الوجود ثم علمهم ما لم يكونوا يعلموه فهو ذو الشرف والأكمل.
بكل الورى لو قسته لوجدته يريد خلاق تجل وترفع
يعنى تجل وترفع قدراً ومكانة على سائر الوجود.
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه يقول لو أنك قست ما يحصل في الطريق لأهل الله تعالى من المنح والعطايا الإلهية لوجدت ذلك يزيد على نعيم الدنيا والآخرة بأضعاف مضاعفة.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن الله تعالى خير من جميع الورى يعنى من أهل الدنيا ومن لذات الآخرة فلم لا يطلبه العبد وينزل ما سواه.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول إن الإنسان خلاصه الأكوان وهو المشار إليه بمظهر الحق تعالى فلو قست مقدار الإنسان عند الله تعالى وحده لوجدته يزيد على جميع المخلوقات شرفاً وكرماً بأخلاق إلهية قد اتصف بها من الفطرة الأصلية المجبول عليها ولهذا قال تجل وترفع لأنها عبارة عن الأوصاف الإلهية التي يتصف العبد بها.
فلو تسأل الأيام عن كنه وصفه أجابت بأن الدرك فيه ممنع
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن الطريق لا نهاية له فلو تسأل الأيام يعنى فلو تطلب الله تعالى في أيام الدهر جميعها لكشف لك بعد هذا أن الطريق باق تجاهك لأن الله تعالى لا نهاية له ولأن النفس لا نهاية لدسائسها والسالك يطلب تزكية نفسه ومعرفة ربه فهو يطلب أمرين لا نهاية لكل واحد منهما فلهذا أن درك الطريق ممنوع يعنى أن بلوغ السالك إلى محل لا بعده سلوك محال ممنوع عقلاً ونقلاً وكشفاً فليس للطريق غاية.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن الحق جل وعلى ليس لكماله نهاية فلو تسأل كل من في الأيام الماضية والمستقبلة والحالية لأجاب أهلها أن درك كنه صفة واحدة من صفاته ممنوع ومحال.
وجه السماع فيه للمجذوب يقول أن الإنسان الكامل لا نهاية لمعرفة ما أودع الله فيه من كمالاته فلو تسأل الأيام يعنى المحققين من أهلها لأجابوا أن لا نهاية لدرك كنه الإنسان إذ درك كنه الإنسان منوط بدرك كنه الباري عز وجل لقوله: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فعلى قدر ما يعرفه الإنسان من نفسه يعرف ربه والأولياء متفاوتون في ذلك فمنهم الكامل والأكمل وجميعهم مقرون بعدم النهاية في معرفة الإنسان لأنه المتصف بصفات الرحمن والرحمن لا نهاية له فهو لا نهاية له.
هو البحر إلا أن عذب صفاته هو الغيث إلا أنه الدهر يهمع
وجه السماع للناسك مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما معناه ظاهر البيت.
وجه السماع للسالك يقول أن الطريق بحر ولكن عذب صفاته يعنى فيه لذة للسالكين فهو عذب ولو كان ظاهره عذاب هو الغيث يعنى هو إغاثة الحق للعبد ورحمته العظمى له والسالك مغاث إلا أن السلوك يهمع طول الدهر يعنى يمطر على أهله بأنوار الواردات والمعارف الإلهية.
وجه السماع للمحب فيه للمحب يقول أن صفات المحبوب بحر لا ساحل له ولكنه عذب يعنى عذوبة التجلي عند شهود الحق هو الغيث يعنى تنوعات التجليات كثيرة لا تحصى كالغيث لأنها دائمة فهو سبحانه وتعالى له شأن ذاتي في كل يوم إلهى وذلك الشأن هو تجليه تعالى بما يقتضيه كماله قال تعالى: (كل يوم هو في شأن).
وجه السماع فيه للمجذوب يقول أن باطن الإنسان بحر غير أن صفاته عذبة يريد القوى الروحانية التي هى العقل والفكر والتمييز والتخيل والتصوير وأمثالها فيها معارف لا تحصى من المعارف الإلهية فمن عرف حقائق تلك القوى وما هى عليه من الكمالات الإلهية اللتذ بوجود ذاته وأتصف من الحق تعالى بأسمائه وصفاته وإلى تلك اللذة الإشارة في قوله عذب صفاته هو الغيث يعنى قلب الإنسان دائم الموارد فلا يخلو طرفة عين من الموارد الإلهية لكن أين المميز العارف لتلك الموارد العلية والصفات العزيزة البهية المودوعة في هذا الموجود للشريف.
فلولاه لم تورق صخور بلادنا ولم تنبت الإبريز والتبر بلقع
يعنى أن الممدوح في غاية الكرم إلى أنه يشبه المحال فلما حاز ذلك الكرم العظيم منه جاز أن تورق صخور البلاد لأن بلاقعها وأراضيها تنبت الإبريز يعنى الذهب الخالص والنبر يعنى المذهب الحسي يريد بذلك كناية عن عظم مواهبه التي وهبها لسائر الناس فلما دفنتها الناس في الأرض أمثل تحت الأرض من التبر والإبريز فمن يحفر شيئاً من الأرض يجد الذهب فكنى بذلك عن الإنبات لمساق أول البيت ملائمة لتوريق الصخور
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان السبب لخشوع قلبه فجعل قلبه بمحل الصخر وجعل خشوعه بمحل تورق الصخر وأخضراره وحصل البلقع كناية عن جسمانيته وجعل الإبريز والتبر كناية عن الأعمال فالإبريز عبارة عن الفرائض والتبر عبارة عن السنن والنوافل يعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان سبباً لخشوع قلب هذا العبد وسبباً ---- جميعها صلى الله عليه وسلم.
وجه السماع للسالك يقول فلولا الطريق وسلوكها لما أورقت صخور بلادنا يعنى لما ظهرت أثار أنوار القرب على جوارحنا ولا انتبت بلقع أي قلوبنا التي كانت قبل أرضيته بالإبريز والتبر يعنى ولا وجدنا في قلوبنا من الموارد الإلهية علوماً لدنية مخصوصة بمعرفة الله تعالى كنا عنها بالإبريز وعلوماً لدنية ملحقة بمعرفة عالم الكون وكنا عنها بالتبر أن التبر دون الإبريز.
وجه السماع للمحب فيه يقول أن المحبوب لولا أن له الجمال المطلق تعالى وتقدس لما أورقت صخور بلادنا يعنى لما ظهر أثار الجمال في سائر وجودنا ولا انبت بلقع بالبتر والإبريز يعنى ولا كان يظهر من بواطننا أنوار القرب لوجود حقيقة التوحيد فجعل شمس حقيقة التوحيد مشار إليه بالإبريز والتبر لأن الذهب هو معدن الشمس وجعل أثار الجمال مشار إليه بتوريق الصخر لأن ذلك حسن في أبدع ما يكون من غريب المداحة.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول فلولا ما جبل الله تعالى روح الإنسان عليه من صفات الكمال بما جعله في قابليته النفس الكلى والعقل الأول لما أورقت صخور بلادنا يعنى لما اتصفنا بصفات جماله وجلاله تعالى الله وتقدس اتصافناً بلا تشبيه ولا اتصال ولا انفصال بل كما ينبغي أن يعبده وليه بذلك الاتصاف وقوله ولا انبتنا بلقع بالإبريز والتبر يعنى ولا ظهر على جوارحنا أثار ---- من حقيقة الاتصاف بما أشار إليه الحديث في قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ولسانه) الحديث
مليك له في الله رب مكانة تجل عن الإدراك بل هى ارفع
يعنى أن الممدوح مليك له رب مكانة عليه في حضرة القرب عند الله تجل تلك المكانة عن الإدراك لغيره بل أرفع أن يدركها غيره.
وجه السماع للناسك فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأن له عند الله المقام المحمود الذى لا يمكن لغيره عند الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن العبد الذاهب في الله له في سلوكه من الأسرار بينه وبين الله تعالى ما يجل عن الإدراك لغيره أشار بهذا إلى ما قاله عليه السلام: (أن بين العبد وربه الله سر لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل)
وجه السماع للمحب فيه أن المحبوب ذو مكانة علية في الله يعنى في الألوهة تجل عن الإدراك الكوني فلا يعرف ما هو إلا هو.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن الإنسان الكامل مليك لأنه نسخة آدم وآدم خليفة الله تعالى فالإنسان خليفة على ملك آدم له في الله رب مكانة يعنى بذلك القطبية أنها لا تكون إلا للإنسان الكامل لا لغيره من سائر الأكوان ولهذا قال تجلى عن الإدراك بل هى أرفع فاعرفها منك وفيك.
أمان لملهوف وحصن لخائف وكهف شريد بات وهو مروع
وجه السماع للناسك فيه يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات.
وجه السماع للسالك فيه يقول أن طريق الحق تعالى أمان للسالكين من سائر الهموم لأنهم لا يشتغلون بها فلا يطرقهم هم شيء ولا خوف من شيء لأنهم مأخوذون عن نفوسهم فكيف يشتغلون بلازم ما ليس بموجود عندهم لأن الخوف من لوازم ذكر النفس فلولا محبته للسلامة لها لما طرقة الخوف وأراد باللهوف والخائف والشريد والمروع ذكر أفات الدنيا والبرزخ الحساب والآخرة.
وجه السماع للمحب يقول أن الوصول إلى الله تعالى أمان للمحب من سائر البلايا والمحسن كما قال بعضهم: (من وصل إلى الله تعالى أمنه من معلولات النفوس) وهذا الوصول بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة تعالى الله عن ذلك.
وجه السماع للمجذوب يقول أن مقام القطبية الذي يحاول في تصحيح شرائطها أمان لملهوف لأن الله تعالى لا يصطفى عبداُ ويقربه لتلك المكانة العظيمة ثم يمكر به وإليه الإشارة في قوله مقام إبراهيم: (ومن دخله كان أمنا) ولو قلت أن المراد من الآية هذا المقام الحسى الموجود ولكنه قلنا لم إذا كان الأمان حظ من دخل في مقام الإبراهيمي الأرضي فما يكون حظ من يدخله الله في المقام الإبراهيمي الجبروتى فان قلت أن دخول مقام إبراهيم عند الله ممنوع لغيره قلت لك أنما الممنوع محل خصوصيته لا المقام ألا ترى الإسلام مقام وهو يجمع النبي عليه السلام وغيره من أمته ومقام الإيمان مقام يجمع الأنبياء وغيرهم ومقام الإحسان كذلك فالمقام الواحد يجمع النبي والولي عند الله تعالى وينفرد النبي بخصوصية من الله تعالى وينفرد الولي بما بينه وبين الله تعالى من أسراره من غير عمل بأفضلية النبي على الولي بكل حال وفى كل مقام عند المتعال.
فلا زالت الدنيا تدوم لملكه ولكنه لا يرتضيها فيقنع
وجه السماع للناسك يقول لأزلت الدنيا تدوم لأمته أبدا الآبدين ولكنه لا يرتضيها لهم مقاماً فيقنع لهما بخلود فيها بل يريد لهم ما عند الله تعالى.
وجه السماع للسالك فيه يقول فلا زالت الدنيا تدوم للسالك ليقطع مقامات القرب إلى الله تعالى فيها لأنها دار الزيادة والتحصيل لأن الشخص أما يجتنى في الآخرة ثمرة ما غرسه في الدنيا فليت الدنيا لازالت دائمة للسالك يتقرب فيها إلى الله تعالى منزلاً ينتقل منها إلا وقد قطع سائر المقامات وسلك في سائر الطرق ليعرف الله تعالى معرفة كاملة فلا زالت الدنيا دائمة ولكن للسالك مع هذا لا يرم دوام الدنيا له لأنها دار الحجاب فلا يقنع بما يترقى فيه بأن يطلب القدوم على الله تعالى في دار الكشف والعيان.
وجه السماع فيه للمحب يقول فلا زالت الدنيا تدوم للعاشق حتى يستكمل شروط العشق ولكنه لا يرتضى بقاءها بل يطلب وجود الحق تعالى ولو كان ناقصاً في شروط المحبة.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول فلا زالت الدنيا يعنى جسمانية الإنسان تدوم لملكه يعنى لما وهبه الله من الاتصاف ولكنه لا يرتضيها فيقنع لأن العالم الجسماني ليس قابليته إلا حد من الله تعالى بقدر ما في قابلية الروح فلهذا لا يلتفت الكامل على اتصاف الجسمانية وإنما المعتبر عند الكمل اتصاف روحه من الله تعالى بما أراد من أسمائه وصفاته العليا.
عليه من الرحمن كل تحية حكت نفحات المسك بل هى أضوع
وجه السماع للناسك فيه يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله تعالى كل تحية هى أعبق من نفحات المسك نشرا وأضوع طيباً.
وجه السماع للسالك يقول لا زالت موارد الحق تعالى تهب بالنفحات الرحمانية على قلب العبد السالك بما هو أطيب نشراً من المسك المختم به على كأس الأبرار في الجنة.
وجه السماع للمحب يقول على العبد المريد لله تعالى في الأوقات نفحات عنايات عزيزة شريفة لا يعرفها إلا أهلها فهى طيبة النشر عظيمة الفخر.
وجه السماع للمجذوب فيه يقول أن لله في وجود الإنسان الكامل عنايات عزيزة وعليه من الله بتلك العناية كل تحية يعنى رحمة وإقبال بموهبة حقيقية اتصاف بأسماء عظيمة وأوصاف كريمة يظهر أثارها في الوجود حالاً ومقالاً فهى أعبق من نشر المسك لأنها تبلغ ما لا يبلغه النشر من الظهور في العالم بطيب أخلاق الله تعالى.
تمت القصيدة