سر خلق التدبير والاختيار(*)
فائدة: اعلم أنَّ سر خلق التدبير والاختيار، ظهور قهر القهار؛ وذلك أنه سبحانه([1]) أراد أن يتعرف إلى العباد بقهره؛ فخلق فيهم تدبيرًا واختيارًا، ثم فسخ لهم بالحجة حتى أمكنهم ذلك؛ إذ كانوا في وجود المواجهة والمعاينة، لم يمكنهم التدبير والاختيار، كما لا يمكن الملأ الأعلى ذلك، فلما دبر العباد واختاروا -توجه بقهره إلى تدبيرهم واختيارهم، فزلزل أركانهم، وهدم بنيانهم، فلما تَعَرَّفَ للعباد بقهر مراده علموا أنه القاهر فوق عباده.
فما([2]) خلق الإرادة فيك لتكون لك الإرادة، ولكن لتدحض إرادته إرادتك؛ فتعلم أنه ليس لك إرادة، كذلك([3]) لم يجعل التدبير فيك؛ ليكون ذلك دائمًا فيك، وإنما جعله فيك لتدبر ويدبر فيكون ما يدبر لا ما تدبر؛ ولذلك قيل لبعضهم: بماذا عرفت الله؟ قال بنقض العزائم.