اعلم أن الشهوة والغضب خادمان للنفس جاذبان يحفظان أمر الطعام والشراب والنكاح لعمل الحواس.
ثم النفس خادم الحواس شبكة العقل وجواسيسه يبصر بها صنائع البارئ جلت قدرته.
ثم الحواس خادم العقل، وهو للقلب سراج وشمعة يبصر بنوره الحضرة الإلهية؛ لأن الجنة وهي نصيب الجوف أو الفرج محتقرة في جنب تلك الجنة.
ثم العقل خادم القلب، والقلب مخلوق لنظر جمال الحضرة الإلهية.
فمن اجتهد في هذه الصنعة، فهو عبد حق، من غلمان الحضرة، كما قال سبحانه وتعالى: (وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدون).
معناه: إنا خلقنا القلب، وأعطيناه الملك والعسكر، وجعلنا النفس مركبة؛ حتى يسافر عليه من عالم التراب إلى أعلى عليين.
فإذا أراد أن يؤدي حق هذه النعمة، جلس مثل السلطان في صدر مملكته، وجعل الحضرة الإلهية قبلته ومقصده، وجعل الآخرة وطنه وقراره، والنفس مركبه، والدنيا منزله، واليدين والقدمين خدامه، والعقل وزيره، والشهوة عامله، والغضب شحنته، والحواس جواسيسه. وكل واحد موكل بعالم من العوالم يجمع له أحوال العوالم. وقوة الخيال في مقدم الدماغ كالنقيب يجمع عنده أخبار الجواسيس، وقوة الحفظ في وسط الدماغ مثل صاحب الخريطة يجمع الرقاع من يد النقيب ويحتفظها إلى أن يعرضها على العقل. فإذا بلغت هذه الأخبار إلى الوزير يرى أحوال المملكة على مقتضاها.
فإذا رأيت واحداً منهم قد عصى عليك، مثل الشهوة والغضب، فعليك بالمجاهدة، ولا تقصد قتلهما؛ لأن المملكة لا تستقر إلا بهما.
فإذا فعلت ذلك كنت سعيداً، وأديت حق النعمة، ووجبت لك الخلعة في وقتها، وإلا كنت شقياً، ووجب عليك النكال والعقوبة.