1- تمهيد:
اختلفت الطرق الصوفية، حسب مناهجها ومشاربها، في اختيار الأسماء التي يرجى أن تكون جامعة لمعاني وأسرار بقية أسماء الحسنى، التي كلفنا الله أن ندعوه بها، والتي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحصاها دخل الجنة تخفيفًا على الناس وتيسيرًا على غير المستطيع، لسبب أو لآخر.
والإحصاء عندنا: معناه التفقه فيها، والتحقق بأسرارها ومعانيها، والتمتع بلذة التعبد بها، وتحصيل أجرها، والتخلق السلوكي بمقتضى مفاهيمها ومضامينها.
والأسماء الحسنى منها المشهور المتداول بين المتعبدين، ومنها المأثور الذي ورد في بعض الاحاديث والآيات القرآنية، وقد نقل ابن العربي في شرح الترمذي أنها نحو ألف، وقد أفردنا لذلك بحثًا مختصرًا ملحقًا برسالتنا المحمديات.
2- الأسماء السبعة، والثلاثة عشر:
وقد رأى بعض الصوفية أن معاني وأسرار الأسماء كلها تلتقي في سبعة أسماء، تدور في فلكها مراتب النفوس السبع، على الترتيب الآتي:
أ- النفس الأمارة: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف:53]، وعلاجها في التهليل (لا إله إلا الله).
ب- النفس اللوامة: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة:2]، وعلاجها في الاسم المفرد (الله).
جـ- النفس الملهمة واسمها عندنا السوية: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس:8]، وعلاجها في الاسم المضمر (هو).
د- النفس المطمئنة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ﴾ [الفجر:27]، وعلاجها في اسمه تعالى (الحق).
هـ- النفس الراضية: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر:28]، وعلاجها في اسمه تعالى (الحي).
و- النفس المرضية: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر:28]، وعلاجها في اسمه تعالى (قيوم).
ز- النفس الكاملة: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التِّين:4]، وعلاجها في اسمه تعالى (القهار) على خلاف بسيط في ترتيب الأسماء وتوزيعها.
ولكل ذكر من هذه الأذكار مجال أثر مخصص في عالم السير والسلوك.
وهذا هو مذهب السادات الخلوتية جميعًا، وكذلك بعض الطرق المباركة الأخرى كبعض الشاذلية، وهم يسمون هذه الأسماء السبعة (الأصول).
وهناك أسماء أخرى تمسى الفروع، وهي مما يختاره الشيخ المريد في الظروف والمناسبات الخاصة، وفي مدارج السلوك والمجاهدة، كالأسماء الستة التي اختارها الإمام الجيلاني كما سيأتي.
وهذه الأسماء السبعة يلقنها الشيخ لمرديه بالتوارث في الأذن اليسرى، فيما عدا الاسم السابع، فيكون تلقينه في الأذن اليمنى، ولهم في ذلك توجيه وتفصيل تربوي دقيق. مرتب على أعداد وأوقات معينة، وتجارب صادقة مكررة.
وربما اكتفى الشيخ بتكليف المريد، أن يذكر كل اسم منها مئة ألف مرة، أو أقل أو أكثر، كما يرى بنور الله، ثم ينتقل المريد تلقائيا بعد استكمال العدد المكلف به إلى الاسم الذي يليه، بالإذن العام -دون حاجة إلى تلقين جديد- مع كل اسم، حتى يكون الفتح والوصول بالالتزام وكثرة التكرار، والاستغراق في نور الله بعد الرابطة الروحية.
وهم يجعلون التعبد بالاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح ومداخل لذكر الأسماء المقررة، فلا بد منها ولو في كل يوم مرة.
ولكن الإمام الجيلاني رضى الله عنه جعل الأسماء ثلاثة عشر، فزاد على الأسماء السبعة المذكورة اسمه تعالى:
1- واحد.
2- عزيز.
3-ودود.
4-وهاب.
5- مهيمن.
6- باسط.
على أصول اجتهاده الروحي والتربوي.
وعلى هذا المذهب سار السادة الخليلية، وطرق أخرى مباركة كبعض الشاذلية -أيضًا-. بالإذن الروحي المسلسل إلى أبي الحسن.
3- مراتب النفوس والأذكار عند الطريقة المحمدية:
وقد اختصر بعض الأئمة المحمديين الأمر، ومنهم السيد الوالد -رض الله عنه- فجعل مراتب النفس ثلاثًا لا سبعًا بحسب كشفه واجتهاده، واكتفى بالقول بـ (النفس الأمارة)، ثم (اللوامة)، ثم (السوية) التي تسمى (المُلْهَمَة) لقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس:7-8] وألهما يعني: بَيَّنَ لها وعَرَّفَهَا.
وجعل السيد الوالد ذكر (الأمارة): الاستغفار. وذكر (اللوامة): الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر (السوية): التهليل. فكأن المريد يقطع المراتب الثلاث كلما قرأ الورد اليومي.
أما بقية مراتب النفس بعد (السوية) و(المُلْهَمَةِ)، فهي عنده مدارج للترقي الذاتي في فلك هذ النفس السوية، فهي مرتبة واحدة ذات مقامات ومدارج ذاتية، فـ(النفس المطمئنة) مرتبة من (النفس السوية)، ثم إن (النفس المطمئنة) عندنا قسمان:
1- مطمئنة راضية: وهذا هو مقام الحبية، وذكرها الاسم المضمر والمفرد معًا، أي: (هو الله) في مجال الشوق: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة:165]، وشأنه الخوف، والقبض، والتذلل، والحذر، والاحتياط. ومشهد هذه النفس (الجلال الإلهي).
2- مطمئنة مرضية: وهذا هو مقام المحبوبية، وذكرها الاسم المضمر وحده (هو) في مجال الوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:54]، وشأنه الرجاء، والبسط، والتدلل، والأمل في سعة الفضل الإلهي. وأكثر ما يذكر الاسم المضمر مع يا النداء، فيقال: (يا هو). ومشهد هذه النفس (الجمال الإلهي).
ثم تأتي درجة التمكين مع (النفس الكاملة)، وذكرها الاسم المفرد الجامع([1]) (الله)، فهو وعاء أسرار جميع الأسماء والصفات ما علم منها وما لم يعلم، والذاكر به ذاكرًا بها جميعًا لأنها ترجع إليه، وكلها صفات له، فهي مُفَصِّلَةٌ لِجَمَالِ أَسْرَارِهِ وَأَنْوَارِهِ، ولكل لذاكر به نصيب منه على قدر اجتهاده وإخلاصه، وهو مختار الشاذلية. ومشهد هذه النفس (الكمال الإلهي).
4- لفظ الجلالة والاسم المضمر:
أما الاسم المضمر (هو) فقد بوب له الإمام فخر الرازي في تفسير الفاتحة، واستوعب كل ما جاء فيه من العبارات، والرموز، والإشارات، وأثبت علميًا أنه ذكر الخاصة، وأنه مجمع الأسرار، والأنوار، والإمداد، وأنه ما لم يكن هو الاسم الأعظم، فإنه بابه أو صاحب المرتبة التي تليه لا محالة. فارجع إلى هناك فإنه هام وعظيم.
إن لفظ الجلالة عندنا علم غير مشتق. فلا يسمى به بشر، وهو لا يثنى ولا يجمع، وهو يُوصَفُ ولا يُوصَفُ به، وكل اسم أو صفة لله ترجع إليه، حتى جزم كثير من السادة أنه الاسم الأعظم. وبذكره يكتفي كثير من السادة الشاذلية، وفيه كتب ابن عطاء الله رسالته المسماة (القصد المجرد في الاسم المفرد).