(فصل) قال الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين ابن الصلاح إمام الشافعية والمحدثين في عصره: لبس الخرقة من القرب، وقد استخرج لها بعض المشايخ أصلاً من سنة النبي -صلىٰ اللّٰه عليه وسلم- وهو حديث أُمّ خَالِد بِنْت خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللّٰهِ -صلىٰ اللّٰه عليه وسلم- أُتِيَ بِكِسْوَةٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ أَحَقَّ بِهَذِهِ». فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ». فَأُتِيَ بِهَا فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهَا ثُمَّ قَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي» مَرَّتَيْنِ. أخرجه البخاري([1]).
([1]) وأبوداود، وأسنده السهروردي في (العوارف) من طريق الحاكم، وعزاه صاحب المنح البادية لمسلم، فوهم، وقد نقل المؤلف كلام ابن الصلاح هذا في زاد المسير، وقال عقبه ما لفظه: وقد استنبطت للخرقة أصلاً من السنة أوضح مما تقدم، وهو ما رواه البيهقي في الشعب عن عطاء الخرساني (أن رجلاً أتى ابن عمر فسأله عن إرخاء طرف العمامة فقال عبدالله: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية وأمَّرَ عليها عبدالرحمن بن عوف، وعقد لواء وعلىٰ عبدالرحمن عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلَّ عمامته ثم عممه بيده وأفضل موضع أربع أصابع أو نحوها فقال: «هكذا فاعتم، فإنه أحسن وأجمل»)، وما رواه أبوداود والبيهقي عن عبدالرحمن بن عوف قال: (عممني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسدلها بين يدي ومن خلفي)أهـ.
قلت: الحديث الأول رواه الطبراني في الأوسط مطولاً بإسناد حسن، والثاني في إسناده راو لم يسمّ ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة -رضي الله عنها- بإسناد ضعيف، هذا وأوضح ما استنبطه المصنف ما رواه الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن بشر قال: (بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا علىٰ بعث فعممه بعمامة سوداء، ثم أرسلها من ورائه أو قال علىٰ كتفه اليسرى) ورواه البغوي في معجم الصحابة، وقال: لا أحسب لعبدالله صحبة، وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن علي قال: (عممني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غدير خم فسدلها خلفي)، ولابن شاذان في مشيخته عنه نحوه، وللديلمي عن ابن عباس قال: (لمَّا عَمَّمَ النبي -صلى الله عليه وسلم عليًّا بالسحاب) الحديث، فالاستدلال بهذا لإلباس الخرقة أنسب لأنها تتصل بعلي -عليه السلام- إثبات سماع الحسن من علي بالسند الصحيح.