(مسألة) تفسير الحلول: نزول شيء في شيء آخر على وجه يلازمه, كحلول الرطوبة في الماء واليبوسة في النار, أو كالبرودة في الماء, والحرارة في النار, فإن ذلك لما حل في ذلك الجرم يلازم محله على وجه ينتقل بانتقال محله, ويقف بوقوف محله, وينعدم بانعدام محله.
(فصل) إن الله تعالى محال في حقه الحلول والجوار والاتصال بالمخلوق, وعرفنا ذلك بالقرآن والحديث وإجماع الأنبياء والأولياء -عليهم السلام-.
واعلم أن الحلول إنما حدث في الإسلام من واقعات الجهلة المتصوفة, حيث رأوا الله في مناماتهم أقرب إليهم من حبل الوريد, فظنوا أنه فيهم حالّ, وليس ذلك حلولا, وإنما هو وجدانك القرب كقرب ضياء الشمع في البيت من هواء البيت, وليس ذلك حلولا, بدليل أنه لا يلازمه على وجه ينقلب مع محله, وينعدم بانعدام محله, إلا ترى أن الهواء يخرج من باب البيت وكواته, ولا يخرج الضياء معه, وينعدم الضياء الذي كان معه في البيت إذا انطفأ السراج, ولا ينعدم الهواء في البيت فدل على أن الضياء غير حال في ذلك الهواء في مسألتنا.
وقد يفكر السالك في عالم النفس والهوى, فيرى في المنام والحال أنه الرب, فتكون الرؤيا صحيحة محتاجة إلى التأويل والتعرف والتعبير هنا أن ذلك الشخص يعبد عهد نفسه يحبها ويعمل لها ما تحب فيكون بعد ممن اتخذ إلهه هواه، قال الله تعالىٰ: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية: من آية 23].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ»([1])، فيرى في الواقعة أنه الرب المعبود فيجب عليه أن يتجنب من طاعة النفس والهوى ويكسرها بالمجاهدة والرياضة ولا يظن ذلك المحال، وبالله التوفيق.
هذا ما يسر الله كتابته علىٰ هذا المؤلف، ولم آل جهدًا في تنقيحه وتهذيبه، فالحمد لله علىٰ ما ألهم وعلم. وصلى الله علىٰ سيدنا محمد وآله وسلم.
([1]) تمامه: «وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَىٰ لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.