الشريف الحسيب النسيب، المعتقد صاحب الكرامات، وخوارق العادات، السيد علي بن السيد مصطفى بن السيد درويش بن علي تقي الدين النحراوي بن السيد تقي الدين بن السيد صدر الدين بن السيد صفي الدين بن السيد صالح بن السيد محمد كمال الدين بن السيد إبراهيم القرشي بن السيد أبي المجد الدسوقي الشاذلي { أجمعين، فهو رضى الله عنه من ذريته الأشراف الدسوقية البراهمة.
وكان رضى الله عنه من المجاذيب، أرباب الأحوال الصادقة، واشتهر بالبكري لسكناه بسويقة البكرية.
أقام رحمه الله على قدم التجريد سنين عديدة، يمشي في الأسواق، عريان، ويخلط في الكلام، وبيده نبُّوتٌ طويل، يصحبه معه في غالب أوقاته، وكانت تتبعه امرأة يقال لها الشيخة أمُّونة، من المجاذيب، وكانت من الزهاد أرباب الأحوال.
وكان يحلق لحيته، وللناس فيه اعتقاد عظيم، وينصتون إلى تخليطاته، ويوجهون ألفاظه، ويؤولونها بما في ضمائرهم، ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم، وحصلت له هذه الجذبة بعد نشأته حتى أسكرته طول حياته، فكان رضى الله عنه لا ينام إلا في الأزقة، وعلى قوارع الطرق، ويبيت غالب لياليه طاويًا من غير أكل ولا شرب.
وكان له أخُ من مساتير الناس، فحجزه أخوه في بيته، وكساه وأطعمه، وأنفق على أتباعه، وألبسه ثيابًا حسناء، فصارت الناس تتردد إلى زيارته، وكان يكاشفهم بأمورهم وأحوالهم، ورأوا منه كرامات عظيمة، فصاروا يأتونه بالهدايا والنذور، فيأخذها أخوه، فأثرى بسبب ذلك، ولما رأى أخوه كثرة تردد الناس إليه، وبذل أموالهم بين يديه، بالغ في إكرامه، وقيد له من يخدمه، ويقوم بمصالحه، ويراعيه في نومه ويقظته وقضاء حاجته.
وكان في بدايته رضى الله عنه إذا مشى في الأزقة تتعلق به أصحاب الحوانيت والمارة، وسكان الدور حتى النساء، فصارت له أتباع يمشون خلفه، ويلازمونه أينما ذهب، وكل من التصق به أو مرَّ على حانوته وباب داره، حصلت له جذبةٌ، وتبعه، حتى شاع هذا الأمر، وبلغ العلماء وولاة الأمور، وصارت له شنة ورنة، وباتت الناس تتحدث في ذلك، فأمر الوالي بإرساله إلى المارستان([1])، هو ومن معه، فقبضوا عليه، وأودعوه بالمارستان، فمكث به أسبوعًا، وبعد الأسبوع رُئي في الأزقة كحالته الأولى، فتعجبت الناس، وبلغ الأمر أرباب الدولة، فتركوه، ولكن قلت أتباعه، ما عدا الشيخة أمونة، فإنها زادت في الانجذاب، وكشفت وجهها، ولبست ملابس الرجال، ولازمته أينما توجه، وصار كلُّ من يعترض عليها يمسه سيدنا، فينجذب، ويخلع ثيابه، ويتحنجل([2]) في مشيته، حتى تبعهم خلقٌ كثيرٌ من النساء والرجال، وصار لهم ضجة عظيمة في الأسواق، وكانت تتبعهم الأطفال والكبار والصغار، ويصير لهم كوكبة([3])، وكثر هرج الناس ومرجهم، وكانت الشيخة أمونة تقف على دكة حانوت أحد التجار، وتتكلم وتخلط في الكلام، وتارة تتكلم بالعربية، وتارة بالتركية، وتارة بالفارسية، وهكذا. والناس ينصتون لها، ويقبلون يديها، ويتبركون بها، ودام الحال على ذلك مدة إلى أن انفرد الأستاذ عنها، وعن أتباعه، ولزم بيت أخيه، وانفردت هي في منزلها، واعتقدتها الناس من كل طائفة من الخواصِّ ومن العوام، وتفرقت باقي المجاذيب، وظل سيدنا عليٌّ ملازمًا في دار أخيه على هذه الحالة، حتى توفاه الله سنة سبع ومئتين وألف، واجتمع الناس لتشييع جنازته من كل ناحية، ودفنوه بمسجده الشرابي بالقرب من جامع الرويعي، وعملوا له مقصورة، ومقامًا يقصد للزيارة، واجتمعوا عنده ثلاث ليال، وعملوا الحضرات والأذكار، وصارت المنشدون تنشد، واعتادوا كلَّ عام بإحياء ليلة مولده بمثل يوم توفي، وضريحه مشهور، ينذرون له النذور، وله كرامات ظاهرة، ويتوالى على ضريحه الزائرون، نفعنا الله به. آمين.